من رواية مالك والنسائي وابن ماجة من رواية سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزناد وأخرجه مسلم من رواية عمرو بن أبي عمر وعن الأعرج وتقدم في أواخر كتاب القدر من طريق همام عن أبي هريرة ولفظه لم يكن قدرته وفي رواية للنسائي لم أقدره عليه وفي رواية ابن ماجة الا ما قدر له ولكن يغلبه النذر فأقدر له وفي رواية مالك بشئ لم يكن قدر له ولكن يلقيه النذر إلى القدر قدرته وفي رواية مسلم لم يكن الله قدره له وكذا وقع الاختلاف في قوله فيستخرج الله به من البخيل ففي رواية مالك فيستخرج به على البناء لما لم يسم فاعله وكذا في رواية ابن ماجة والنسائي وعبدة ولكنه شئ يستخرج به من البخيل وفي رواية همام ولكن يلقيه النذر وقد قدرته له أستخرج به من البخيل وفي رواية مسلم ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج (قوله ولكن يلقيه النذر إلى القدر) تقدم البحث فيه في باب القاء العبد النذر إلى القدر وان هذه الرواية مطابقة للترجمة المشار إليها قال الكرماني فان قيل القدر هو الذي يلقيه إلى النذر قلنا تقدير النذر غير تقدير الالقاء فالأول يلجئه إلى النذر والنذر يلجئه إلى الاعطاء (قوله فيستخرج الله) فيه التقات ونسق الكلام أن يقال فاستخرج ليوافق قوله أولا قدرته وثانيا فيؤتيني (قوله فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل) كذا للأكثر أي يعطيني ووقع في رواية الكشميهني يؤتني بالجزم ووجهت بأنها بدل من قوله يكن فجزمت بلم ووقع في رواية مالك يؤتى في الموضعين وفي رواية ابن ماجة فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك وفي رواية مسلم فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد ان يخرج وهذه أوضح الروايات قال البيضاوي عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرة فنهي عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد أن يتقرب بادر إليه والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شئ من يده الا في مقابلة عوض يستوفيه أولا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له وذلك لا يغنى من القدر شيئا فلا يسوق إليه خيرا لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضى عليه لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليخرجه قال ابن العربي فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر لان الحديث نص على ذلك بقوله يستخرج به فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تم المراد من وصفه بالبخل من صدور النذر عنه إذ لو كان مخيرا في الوفاء لاستمر لبخله على عدم الاخراج وفي الحديث الرد على القدرية كما تقدم تقريره في الباب المشار إليه وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أنس ان الصدقة تدفع ميتة السوء فظاهره يعارض قوله إن النذر لا يرد القدر ويجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببا لدفع ميتة السوء والأسباب مقدرة كالمسببات وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الرقي هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله أخرجه أبو داود والحاكم ونحوه قول عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله كما تقدم تقريره في كتاب الطب ومثل ذلك مشروعية الطب والتداوي وقال ابن العربي النذر شبيه بالدعاء فإنه لا يرد القدر ولكنه من القدر أيضا ومع ذلك فقد نهى عن النذر وندب إلى الدعاء والسبب فيه ان الدعاء عبادة عاجلة ويظهر به التوجه إلى الله والتضرع له والخضوع وهذا بخلاف النذر فان فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول وترك العمل إلى حين الضرورة والله أعلم وفي الحديث ان كل شئ يبتدؤه المكلف من وجوه البر أفضل مما يلتزمه بالنذر قاله الماوردي وفيه الحث على الاخلاص في عمل الخير وذم البخل وان من اتبع المأمورات
(٥٠٣)