أنيسة متابعا لفليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث فذكر نحوه بتمامه ولكن لم يسم الرجل وفيه ان ابن عمر لما قال له أوف بنذرك قال له الرجل إنما نذرت أن يمشي ابني وإن ابني قد مات فقال له أوف بنذرك كرر ذلك عليه ثلاثا فغضب عبد الله فقال أو لم تنهوا عن النذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث المرفوع قال سعيد فلما رأيت ذلك قلت له انطلق إلى سعيد بن المسيب وسياق الحاكم نحوه وأخصر منه وقد وهم الحاكم في المستدرك فان البخاري أخرجه كما ترى لكن اختصر القصة لكونها موقوفة وهذا الفرع غريب وهو أن ينذر عن غيره فيلزم الغير الوفاء بذلك ثم إذا تعذر لزم الناذر وقد كنت أستشكل ذلك ثم ظهر لي ان الابن أقر بذلك والتزم به ثم لما مات أمره ابن عمر وسعيد أن يفعل ذلك عن ابنه كما يفعل سائر القرب عنه كالصوم والحج والصدقة ويحتمل أن يكون مختصا عندهما بما يقع من الوالد في حق ولده فينعقد لوجوب بر الوالدين على الولد بخلاف الأجنبي وفى قول ابن عمر في هذه الرواية أولم تنهوا عن النذر نظر لان المرفوع الذي ذكره ليس فيه تصريح بالنهي لكن جاء عن ابن عمر التصريح ففي الرواية التي بعدها من طريق عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم عن ابن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وفي لفظ لمسلم من هذا الوجه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر وجاء بصيغة النهي الصريحة في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ لا تنذروا (قوله لا يقدم شيئا ولا يؤخر) في رواية عبد الله بن مرة لا يرد شيئا وهي أعم ونحوها في حديث أبي هريرة لا يأتي ابن آدم النذر بشئ لم يكن قدر له وفي رواية العلاء المشار إليها فان النذر لا يغني من القدر شيئا وفي لفظ عنه لا يرد القدر وفي حديث أبي هريرة عنده لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ومعاني هذه الألفاظ المختلفة متقاربة وفيها إشارة إلى تعليل النهي عن النذر وقد اختلف العلماء في هذا النهي فمنهم من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله قال ابن الأثير في النهاية تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لامره وتحذير عن التهاون به بعد ايجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك ابطال لحكمه واسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم وانما وجه الحديث أنه قد أعلمهم ان ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يغير قضاء فقال لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفوا به عنكم ما قدره عليكم فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فان الذي نذرتموه لازم لكم انتهى كلامه ونسبه بعض شراح المصابيح للخطابي وأصله من كلام أبي عبيد فيما نقله ابن المنذر في كتابه الكبير فقال كان أبو عبيد يقول وجه النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن يكون مأثما ولو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به ولا حمد فاعله ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يتهاون به فيفرط في الوفاء به ويترك الوفاء به ويترك القيام به ثم استدل بما ورد من الحث على الوفاء به في الكتاب والسنة والى ذلك أشار المازري بقوله ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر والحض على الوفاء به قال وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث ان الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار ويحتمل أن يكون سببه أن الناذر لما لم ينذر القربة الا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي نقدح
(٥٠٠)