فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك قال الترمذي حسن وصححه الحاكم والتعبير بقوله فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك (قوله من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله ان الحلف بالشئ يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة انما هي لله وحده وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات كما سبق وكأن المراد بقوله بالله الذات لا خصوص لفظ الله وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها وهل المنع للتحريم قولان عند المالكية كذا قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية وقال ابن عبد البر لا يجوز الحلف بغير الله بالاجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في موضع آخر أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لاحد الحلف بها والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فاشعر بالتردد وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه وقال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فان اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك الاعتقاد كافرا وعليه يتنزل الحديث المذكور وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه قال الماوردي لا يجوز لاحد ان يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحدا بشئ من ذلك وجب عزله لجهله (قوله عن يونس) هو ابن يزيد الأيلي في رواية مسلم عن حرملة عن ابن وهب أخبرني يونس (قوله قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ينهاكم) في رواية معمر عن ابن شهاب بهذا السند عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحلف بأبي فقال إن الله فذكر الحديث أخرجه أحمد عنه هكذا (قوله فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم في روايته ينهى عنها (قوله ذاكرا) أي عامدا (قوله ولا آثرا) بالمد وكسر المثلثة أي حاكيا عن الغير أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري ويدل عليه ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند مسلم ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفا وأجيب باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفا أي ولا ذكرتها آثرا عن غيري أو يكون ضمن حلفت معنى تكلمت ويقويه رواية عقيل وجوز شيخنا في شرح الترمذي لقوله آثرا معنى آخر أي مختارا يقال آثر الشئ إذا اختاره فكأنه قال ولا حلفت بها مؤثرا لها على غيرها قال شيخنا ويحتمل أن يرجع قوله آثرا إلى معنى التفاخر بالآباء في الاكرام لهم ومنه قولهم مأثرة ومآثر وهو ما يروى من المفاخر فكأنه قال ما حلفت بآبائي ذاكرا لمآثرهم وجوز في قوله ذاكرا أن يكون من الذكر بضم المعجمة كأنه احترز عن أن يكون ينطق بها ناسيا وهو يناسب تفسير آثرا بالاختيار كأنه قال لا عامدا ولا مختارا وجزم ابن التين في شرحه بأنه من الذكر بالكسر لا بالضم قال وانما هو لم أقله من قبل نفسي ولا حدثت به عن غيري انه حلف به قال وقال
(٤٦٢)