قبل ان أخلق أي كتبه في التوراة لقوله في الرواية المشار إليها قبل فكم وجدته كتب في التوراة قبل ان أخلق وقال النووي المراد بتقديرها كتبه في اللوح المحفوظ أو في التوراة أو في الألواح ولا يجوز أن يراد أصل القدر لأنه أزلي ولم يزل الله سبحانه وتعالى مريدا لما يقع من خلقه وكان بعض شيوخنا يزعم أن المراد إظهار ذلك عند تصوير آدم طينا فإن آدم أقام في طينته أربعين سنة والمراد على هذا بخلقه نفخ الروح فيه (قلت) وقد يعكر على هذا رواية الأعمش عن أبي صالح كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض لكنه يحمل قوله فيه كتبه الله علي قدره أو على تعدد الكتابة لتعدد المكتوب والعلم عند الله تعالى (قوله فحج آدم موسى فحج آدم موسى ثلاثا) كذا في هذه الطرق ولم يكرر في أكثر الطرق عن أبي هريرة ففي رواية أيوب بن النجار كالذي هنا لكن بدون قوله ثلاثا وكذا لمسلم من رواية ابن سيرين وكذا في حديث جندب عند أبي عوانة وثبت في حديث عمر بلفظ فاحتجا إلى الله فحج آدم موسى قالها ثلاث مرات وفي رواية عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج لقد حج آدم موسى لقد حج آدم موسى لقد حج آدم موسى وفي حديث أبي سعيد عند الحارث فحج آدم موسى ثلاثا وفي رواية الشعبي عند النسائي فخصم آدم موسى فخصم آدم موسى واتفق الرواة والنقلة والشراح على أن ادم بالرفع وهو الفاعل وشذ بعض الناس فقرأه بالنصب على أنه المفعول وموسى في محل الرفع على أنه الفاعل نقله الحافظ أبو بكر بن الخاصية عن مسعود بن ناصر السجزي الحافظ قال سمعته يقرأ فحج آدم بالنصب قال وكان قدريا (قلت) هو محجوج بالاتفاق قبله على أن آدم بالرفع على أنه الفاعل وقد أخرجه أحمد من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ فحجه آدم وهذا يرفع الاشكال فإن رواته أئمة حفاظ والزهري من كبار الفقهاء الحفاظ فروايته هي المعتمدة في ذلك ومعنى حجه غلبه بالحجة يقال حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في اثبات القدر وان الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله قال وليس فيه حجة للجبرية وإن كان في بادئ الرأي يساعدهم وقال الخطابي في معالم السنن يحسب كثير من الناس ان معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر وقهر العبد ويتوهم ان غلبة آدم كانت من هذا الوجه وليس كذلك وانما معناه الاخبار عن اثبات علم الله بما يكون من أفعال العباد وصدورها عن تقدير سابق منه فإن القدر اسم لما صدر عن فعل القادر وإذا كان كذلك فقد نفى عنهم من وراء علم الله أفعالهم واكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور عن قصد وتعمد واختيار فالحجة انما نلزمهم بها واللائمة انما يتوجه عليها وجماع القول في ذلك انهما أمران لا يبدل أحدهما عن الاخر أحدهما بمنزلة الأساس والاخر بمنزلة البناء ونقضه وانما جهة حجة آدم ان الله علم منه انه يتناول من الشجرة فكيف يمكنه ان يرد علم الله فيه وانما خلق للأرض وانه لا يترك في الجنة بل ينقل منها إلى الأرض فكان تناوله من الشجرة سببا لاهباطه واستخلافه في الأرض كما قال تعالى قبل خلقه اني جاعل في الأرض خليفة قال فلما لامه موسى عن نفسه قال له أتلومني على أمر قدره الله على فاللوم عليه من قبلك ساقط عني إذ ليس لأحد أن يعير أحدا بذنب كان منه لان الخلق كلهم تحت العبودية سواء وانما يتجه اللوم من قبل الله سبحانه وتعالى إذ كان نهاه فباشر ما نهاه عنه قال وقول موسى وإن كان في النفس منه شبهة وفي ظاهره تعلق لاحتجاجه بالسبب لكن
(٤٤٥)