صدق بالخير والصلاح ومات على ذلك لقوله في الحديث الصحيح الماضي في الجنائز أنتم شهداء الله في الأرض وان أريد أنه يعلم قطعا لمن شاء الله أن يطلعه على ذلك فهو من جملة الغيب الذي استأثر الله بعلمه وأطلع من شاء ممن ارتضى من رسله عليه وفيه الحث على الاستعاذة بالله تعالى من سوء الخاتمة وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف وأما ما قال عبد الحق في كتاب العاقبة أن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره وانما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والمجترئ على العظائم فيهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة فقد يكون ذلك سببا لسوء الخاتمة نسأل الله السلامة فهو محمول على الأكثر الأغلب وفيه أن قدرة الله تعالى لا يوجبها شئ من الأسباب الا بمشيئته فإنه لم يجعل الجماع علة للولد لان الجماع قد يحصل ولا يكون الولد حتى يشاء الله ذلك وفيه أن الشئ الكثيف يحتاج إلى طول الزمان بخلاف اللطيف ولذلك طالت المدة في أطوار الجنين حتى حصل تخليقه بخلاف نفخ الروح ولذلك لما خلق الله الأرض أولا عمد إلى السماء فسواها وترك الأرض لكثافتها بغير فتق ثم فتقتا معا ولما خلق آدم فصوره من الماء والطين تركه مدة ثم نفخ فيه الروح واستدل الداودي بقوله فتدخل النار على أن الخبر خاص بالكفار واحتج بأن الايمان لا يحبطه إلا الكفر وتعقب بأنه ليس في الحديث تعرض للاحباط وحمله على المعنى الأعم أولى فيتناول المؤمن حتى يختم له بعمل الكافر مثلا فيرتد فيموت على ذلك فنستعيذ بالله من ذلك ويتناول المطيع حتى يختم له بعمل العاصي فيموت على ذلك ولا يلزم من اطلاق دخول النار أنه يخلد فيها أبدا بل مجرد الدخول صادق على الطائفتين واستدل له على أنه لا يجب على الله رعاية الأصلح خلافا لمن قال به من المعتزلة لان فيه ان بعض الناس يذهب جميع عمره في طاعة الله ثم يختم له بالكفر والعياذ بالله فيموت على ذلك فيدخل النار فلو كان يجب عليه رعاية الأصلح لم يحبط جميع عمله الصالح بكلمة الكفر التي مات عليها ولا سيما ان طال عمره وقرب موته من كفره واستدل به بعض المعتزلة على أن من عمل عمل أهل النار وجب أن يدخلها لترتب دخولها في الخبر على العمل وترتب الحكم على الشئ يشعر بعليته وأجيب بأنه علامة لا علة والعلامة قد تتخلف سلمنا أنه علة لكنه في حق الكفار وأما العصاة فخرجوا بدليل ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فمن لم يشرك فهو داخل في بالمشيئة واستدل به للأشعري في تجويزه تكليف مالا يطاق لأنه دل على أن الله كلف العباد كلهم بالايمان مع أنه قدر على بعضهم أنه يموت على الكفر وقد قيل إن هذه المسئلة لم يثبت وقوعها الا في الايمان خاصة وما عداه لا توجد دلالة قطعية على وقوعه وأما مطلق الجواز فحاصل وفيه ان الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات لتصريح الخبر بأنه يأمر بكتابة أحوال الشخص مفصلة وفيه انه سبحانه مريد لجميع الكائنات بمعنى انه خالقها ومقدرها لا أنه يحبها ويرضاها وفيه ان جميع الخير والشر بتقدير الله تعالى وايجاده وخالف في ذلك القدرية والجبرية فذهبت القدرية إلى أن فعل العبد من قبل نفسه ومنهم من فرق بين الخير والشر فنسب إلى الله الخير ونفى عنه خلق الشر وقيل إنه لا يعرف قائله وإن كان قد اشتهر ذلك وانما هذا رأي المجوس وذهبت الجبرية إلى أن الكل فعل الله وليس للمخلوق فيه تأثير أصلا وتوسط أهل السنة فمنهم من قال أصل الفعل خلقه الله وللعبد قدرة غير مؤشرة في المقدور وأثبت بعضهم أن لها تأثيرا لكنه
(٤٢٩)