ثم إلى المضغة ثم ينفخ الروح فيه قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابا ويجمع أجزاءه بعد أن يفرقها ولقد كان قادرا على أن يخلقه دفعة واحدة ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الأطوار رفقا بالام لأنها لم تكن معتادة فكانت المشقة تعظم عليها فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل ومن تأمل أصل خلقه من نطفة وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار انسانا جميل الصورة مفضلا بالعقل والفهم والنطق كان حقا عليه أن يشكر من أنشأه وهيأه ويعبده حق عبادته ويطيعه ولا يعصيه وفيه ان في تقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق فالسابق ما في علم الله تعالى واللاحق ما يقدر على الجنين في بطن أمه كما وقع في الحديث وهذا هو الذي يقبل النسخ وأما ما وقع في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فهو محمول على كتابة ذلك في اللوح المحفوظ على وفق ما في علم الله سبحانه وتعالى واستدل به على أن السقط بعد الأربعة أشهر يصلي عليه لأنه وقت نفخ الروح فيه وهو منقول عن القديم للشافعي والمشهور عن أحمد وإسحاق وعن أحمد إذا بلغ أربعة أشهر وعشرا ففي تلك العشر ينفخ فيه الروح ويصلي عليه والراجح عند الشافعية انه لا بد من وجود الروح وهو الجديد وقد قالوا فإذا بكى أو اختلج أو تنفس ثم بطل ذلك صلى عليه والا فلا والأصل في ذلك ما أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم عن جابر رفعه إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه وقد ضعفه النووي في شرح المهذب والصواب انه صحيح الاسناد لكن المرجح عند الحفاظ وقفه وعلى طريق الفقهاء لا أثر للتعليل بذلك لان الحكم للرفع لزيادته قالوا وإذا بلغ مائة وعشرين يوما غسل وكفن ودفن بغير صلاة وما قبل ذلك لا يشرع له غسل ولا غيره واستدل به على أن التخليق لا يكون الا في الأربعين الثالثة فأقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما وهي ابتداء الأربعين الثالثة وقد لا يتبين الا في آخرها ويترتب على ذلك أنه لا تنقضي العدة بالوضع الا ببلوغها وفيه خلاف ولا يثبت للأمة أمية الولد الا بعد دخول الأربعين الثالثة وهذا قول الشافعية والحنابلة وتوسع المالكية في ذلك فأداروا الحكم في ذلك على كل سقط ومنهم من قيده بالتخطيط ولو كان خفيا وفي ذلك رواية عن أحمد وحجتهم ما تقدم في بعض طرقه أن النطفة إذا لم يقدر تخليقها لا تصير علقة وإذا قدر أنها تتخلق تصير علقة ثم مضغة الخ فمتى وضعت علقة عرف أن النطفة خرجت عن كونها نطفة واستحالت إلى أول أحوال الولد وفيه أن كلا من السعادة والشقاء قد يقع بلا عمل ولا عمر وعليه ينطبق قوله صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين وسيأتي الالمام بشئ من ذلك بعد أبواب وفيه الحث القوي على القناعة والزجر الشديد عن الحرص لان الرزق إذا كان قد سبق تقديره لم يغن التعني في طلبه وانما شرع الاكتساب لأنه من جملة الأسباب التي اقتضتها الحكمة في دار الدنيا وفيه أن الأعمال سبب دخول الجنة أو النار ولا يعارض ذلك حديث لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله لما تقدم من الجمع بينهما في شرحه في باب القصد والمداومة على العمل من كتاب الرقاق وفيه ان من كتب شقيا لا يعلم حاله في الدنيا وكذا عكسه واحتج من أثبت ذلك بما سيأتي قريبا من حديث على أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل أهل السعادة الحديث والتحقيق أن يقال إن أريد انه لا يعلم أصلا ورأسا فمردود وان أريد انه يعلم بطريق العلامة المثبتة للظن الغالب فنعم ويقوى ذلك في حق من اشتهر له لسان
(٤٢٨)