البخاري بستة وعشرين سنة وقد ظهر بروايته في الأدب أن بينهما في هذا الحديث رجلين (قوله والمار على القاعد) هو كذا في رواية همام وهو أشمل من رواية ثابت التي قبلها بلفظ الماشي لأنه أعم من أن يكون المار ماشيا أو راكبا وقد اجتمعا في حديث فضالة بن عبيد عند البخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه والنسائي وصحيح ابن حبان بلفظ يسلم الفارس على الماشي والماشي على القائم وإذا حمل القائم على المستقر كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو متكئا أو مضطجعا وإذا أضيفت هذه الصورة إلى الراكب تعددت الصور وتبقى صورة لم تقع منصوصة وهي ما إذا تلاقى ماران راكبان أو ماشيان وقد تكلم عليها المازري فقال يبدأ الأدنى منهما الاعلى قدرا في الدين إجلالا لفضله لان فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحس من مركوب الآخر كالجمل والفرس فيبدأ راكب الفرس أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرا في الدين فيبتدؤه الذي دونه هذا الثاني أظهر كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانا يخشى منه وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام كما تقدم في حديث المتهاجرين في أبواب الأدب وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح من حديث جابر قال الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل ذكره عقب رواية ابن جريج عن زياد ابن سعد عن ثابت عن أبي هريرة بسنده المذكور عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وصرح فيه بالسماع وأخرج أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما والبزار من وجه آخر عن ابن جريج الحديث بتمامه مرفوعا بالزيادة وأخرج الطبراني بسند صحيح عن الأغر المزني قال لي أبو بكر لا يسبقك أحد إلى السلام والترمذي من حديث أبي أمامة رفعه أن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام وقال حسن وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قلنا يا رسول الله إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلام قال أطوعكم لله (قوله والقليل على الكثير) تقدم تقريره لكن لو عكس الامر فمر جمع كثير على جمع قليل وكذا لو مر الصغير على الكبير لم أر فيهما نصا واعتبر النووي المرور فقال الوارد يبدأ سواء كان صغيرا أم كبيرا قليلا أم كثيرا ويوافقه قول المهلب إن المار في حكم الداخل وذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ولخرج به عن العرف (قلت) ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب قال كنت أغدو مع ابن عمر إلى السوق فلا يمر على بياع ولا أحد إلا سلم عليه فقلت ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع قال إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا لان مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهر في أنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام وقد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء فقال ابن بطال عن المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له وتسليم القليل لأجل حق الكثير لان حقهم أعظم وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وقال ابن العربي حاصل ما في هذا الحديث ان المفضول بنوع ما يبدأ الفاضل وقال المازري أما أمر الراكب فلان له مزية على الماشي فعوض الماشي
(١٤)