تحيي بالسلامة أم عمرو * وهل لي بعد قومي من سلام فكأن المسلم أعلم من سلم عليه أنه سالم منه وأن لا خوف عليه منه وقال ابن دقيق العيد في شرح الالمام السلام يطلق بإزاء معان منها السلامة ومنها التحية ومنها أنه اسم من أسماء الله قال وقد يأتي بمعنى التحية محضا وقد يأتي بمعنى السلامة محضا وقد يأتي مترددا بين المعنيين كقوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا فإنه يحتمل التحية والسلامة وقوله تعالى ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم (قوله وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) لم يقع في رواية أبي ذر أو ردوها ومناسبة ذكر هذه الآية في هذه الترجمة للإشارة إلى أن عموم الامر بالتحية مخصوص بلفظ السلام كما دلت عليه الأحاديث المشار إليها في الباب الأول واتفق العلماء على ذلك إلا ما حكاه ابن التين عن ابن خويز منداد عن مالك أن المراد بالتحية في الآية الهدية لكن حكى القرطبي عن ابن خويز منداد أنه ذكره احتمالا وادعى أنه قول الحنفية فإنهم احتجوا بذلك بأن السلام لا يمكن رده بعينه بخلاف الهدية فإن الذي يهدى له إن أمكنه أن يهدي أحسن منها فعل وإلا ردها بعينها وتعقب بأن المراد بالرد رد المثل لا رد العين وذلك سائغ كثير ونقل القرطبي أيضا عن ابن القاسم وابن وهب عن مالك أن المراد بالتحية في الآية تشميت العاطس والرد على المشمت قال وليس في السياق دلالة على ذلك ولكن حكم التشميت والرد مأخوذ من حكم السلام والرد عند الجمهور ولعل هذا هو الذي نحا إليه مالك ثم ذكر حديث ابن مسعود في التشهد وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصلاة والغرض منه قوله فيه إن الله هو السلام وهو مطابق لما ترجم له واتفقوا على أن من سلم لم يجزئ في جوابه إلا السلام ولا يجزئ في جوابه صبحت بالخير أو بالسعادة ونحو ذلك واختلف فيمن أتى في التحية بغير لفظ السلام هل يجب جوابه أم لا وأقل ما يحصل به وجوب الرد أن يسمع المبتدى وحينئذ يستحق الجواب ولا يكفي الرد بالإشارة بل ورد الزجر عنه وذلك فيما أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالإصبع وتسليم النصارى بالأكف قال الترمذي غريب (قلت) وفي سنده ضعف لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف والإشارة قال النووي لا يرد على هذا حديث أسماء بنت يزيد مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ فسلم علينا انتهى والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على الأصم ولو أتى بالسلام بغير اللفظ العربي هل يستحق الجواب فيه ثلاثة أقوال للعلماء ثالثها يجب لمن يحسن بالعربية وقال ابن دقيق العيد الذي يظهر أن التحية بغير لفظ السلام من باب ترك المستحب وليس بمكروه إلا إن قصد به العدول عن السلام إلى ما هو أظهر في التعظيم من أجل أكابر أهل الدنيا ويجب الرد على الفور فلو أخر ثم استدرك فرد لم يعد جوابا قاله القاضي حسين وجماعة وكأن محله إذا لم يكن عذر ويجب رد جواب السلام في الكتاب ومع الرسول ولو سلم الصبى على بالغ وجب عليه الرد ولو سلم على جماعة فيهم صبي فأجاب أجزأ عنهم في وجه (قوله
(١٢)