والله! لقد علمت قريش قاطبة أن عليا لا يجلس له علا ولا يقعقع له بالشنآن ولا يغمز غمز التين.
قال: فقام أهل الشام فركبوا خيولهم ولهم زجل فصاروا إلى معاوية، فقال له معاوية: ما وراء كم؟ فقالوا: وراءنا والله إننا قد سمعنا من عمار بن ياسر كلاما يقطر الدم! ووالله لقد أخرس عمرو بن العاص حتى ما قدر له على الجواب! فقال معاوية: هلكت العرب بعد هذا ورب الكعبة!
قال: ورجع عمار في أصحابه إلى علي بن أبي طالب فأخبره بالذي دار بينه وبين عمرو بن العاص، فأنشأ رجل من أصحاب علي يقول:
[ما زلت يا عمرو قبل اليوم مبتدر * تبغي الخصومة جهرا غير سرار حتى رأيت أبا اليقظان منتصبا * لله در أبي اليقظان عمار ما زال يقرع منك العظم منتقيا * مخ العظام بحق غير إنكار حتى رمى بك في بحر له لجج * يرمي بك الموج في لج من النار] قال: وقد كان مع معاوية رجل من حمير يقال له: الحصين بن مالك، وكان يكاتب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويدله على عورات معاوية، وكان له صديق من أصحاب معاوية يقال له: الحارث بن عوف السكسكي، فلما كان ذلك اليوم قال الحصين بن مالك للحارث بن عوف: يا حارث إنه قد آتاك الله ما أردت، هذا عمرو وعمار وأبو نوح وذو الكلاع قد التقوا، فهل لك أن تسمع من كلامهم؟ فقال الحارث بن عوف: إنما هو حق وباطل، وفي يدي من الله هدى، فسر بنا يا حصين.
قال: فجاء الحصين والحارث حتى سمعا كلام عمرو وعمار، فلما سمع الحارث بن عوف كلام عمار وتظاهر الحجة على عمرو بقي متحيرا، فقال له الحصين: ما عندك الآن يا حارث؟ فقال الحارث: ما عندي وقعة والله بين العار والنار، ووالله لا أقاتل مع معاوية بعد هذا اليوم أبدا، فقال له: ولا أنا