وأجوائها، واستقبلته مواكب العلماء والزعماء والعامة، إلى حدود الجبل من طريق الشام في مباهج كمباهج العيد.
ولم تكن عاملة - وهي منبت أسرته - مغالية أو مبالغة بمظاهر الحفاوة به، أو بتعليق أكبر الآمال عليه، فإنها علمت - ولما يمض عليه فيها غير زمن يسير - أنه زعيمها الذي ترجوه لدينها ودنياها معا، فتنيط به الأمل عن " عين " بعد أن أناطته به عن " إذن "، وتتعلق به عن خبرة، بعد ما تعلقت به عن سماع، وتعرف به الرجل الذي يضيف عيانه إلى أخباره، أمورا لم تدخل في الظن عند الخبر.
إصلاحه وابتدأت في عاملة حياة جديدة، شأنها الشدة في الدين، واللين في الأخلاق، والقوة في الحق، والهوادة مع الضعفاء، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتطامن لأهل الدين، والتواضع للعلماء، وكانت يومئذ اقطاعيات منكرة، لا تملك العامة معها من أمر نفسها شيئا ولا تفهم من الحياة في ظلها غير معناها المرادف للرق والعبودية، أو لا يفسح لها أن تفهم غير ذلك من حياتها الهينة المسخرة للأقوياء من جبابرة الناس وطواغيتهم، فلما استقر به المقام في عاملة، لم يستطع إقرار هذا النظام الجائح المستبد بحقوق الجماعة، ولم يجد من نفسه، ولا من إيمانه، ولا من بره، مساغا للصبر على الاقطاعية هذه، وإن ظاهرها الأقوياء، والمتزعمون، والمستعمرون، وكل من يتحلب ضرعها المادي الحلوب، لذلك ثار بها وبهم، وأنكر عليها وعليهم، واستغلظ الشر بينه وبينهم، فجمعوا له وأجلبوا عليه، وسعوا فيه، وكان كل سعيهم بورا.