ومما يذكر من نبوغه أنه حضر في مفتتح حياته الدراسية في بغداد عند (الشيخ أبي ياسر) بباب خراسان من مشايخ السنة فأفحم الشيخ في الدرس، فأرجعه الشيخ أبو ياسر إلى الشيخ الرماني وهو كان في يومه من كبار علماء السنة في بغداد، وجلس التلميذ الصغير في زاوية من المجلس يستمع إلى درس الشيخ، وحين ختم الشيخ الرماني درسه سأل رجل من البصرة عن حديثي الغدير، والغار، فقال الرماني له:
حديث الغدير رواية، وحديث الغار دراية، ولا تقدم الرواية على الدراية.. فسكت السائل ولم يحر جوابا.
فتقدم التلميذ الناشئ وهو في آخر المجلس إلى الشيخ واخترق إليه الصفوف وقال له:
ماذا تقول في الذي يخرج على إمام زمانه؟
فقال له الشيخ: كافر، ثم استدرك فقال: فاسق.
فقال المفيد: فماذا تقول في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟
قال له الشيخ: لا شك في إمامته.
فقال: فماذا تقول في خروج طلحة والزبير عليه؟
فقال له الرماني - وهو مأخوذ بنباهة هذا الطالب الناشئ الذي لم يلتق به من قبل في مجلس الدرس -: أنهما تابا بعد ذلك.
فقال المفيد - وقد تمكن من أستاذه -: إن توبتهما رواية، وحربهما للإمام دراية، ولا ترفع اليد بالرواية عن الدراية.
فتضايق الشيخ الرماني أمام تلاميذه وأفحم، ولم يحر جوابا أمام التلميذ الناشئ، فاستبقاه في المجلس وسأله عن شيوخه ودرسه، وكتب رقعة إلى أستاذه أبي ياسر يعرفه بقيمة تلميذه الناشئ ولقبه ب (المفيد)