إلى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم، ثم إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرودة والرطوبة على مزاجها فيندفع الزائد أولا إلى الرحم لأجل الجنين فإذا انفصل انصب ذلك الزائد أو بعضه إلى الضروع فيبيض بمجاورة لحومها البيض فيصير لبنا، ومن تدبر صنع الله في إحداث الاخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها والأسباب المولدة والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق اضطر إلى الاقرار بكمال حكمته وسبوغ رحمته، و " من " الأولى تبعيضية لان اللبن بعض ما في بطنها، والثانية ابتدائية كقولك: " سقيت من الحوض " لان بين الفرث والدم المحل الذي يبتدئ منه الاستسقاء وهي متعلقة " بنسقيكم " أو حال من " لبنا " قدم عليه لتنكيره وللتنبيه على أنه موضع العبرة " خالصا " صافيا لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث، أو مصفى عما يصحبه من الاجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه " سائغا للشاربين " سهل المرور في حلقهم انتهى (1).
وقال الرازي في تأويل الآية: المراد أن اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء الدم، والدم إنما يتولد من الاجزاء اللطيفة التي في الفرث، وهو الأشياء المأكولة الحاصلة في الكرش، فهذا اللبن متولد من الاجزاء التي كانت حاصلة فيما بين الفرث أولا ثم كانت حاصلة فيما بين الدم ثانيا، وصفاه الله تعالى عن تلك الأجزاء الكثيفة الغليظة، وخلق فيها الصفات التي باعتبارها صارت لبنا موافقا لبدن الطفل انتهى (2).
" ومن ثمرات النخيل والأعناب " قيل: متعلق بمحذوف، أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب من عصيرهما، وقيل: أي ولكم عبرة فيما أخرج الله لكم من ثمرات النخيل والأعناب، وقيل: معناه من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا، والعرب تضمر ما الموصولة كثيرا، والأعناب عطف على الثمرات، والسكر