حرم " فالسمع ورد مؤكدا لما في العقل انتهى (1).
ثم حصر سبحانه المحرمات بقوله: " قل حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وكأنه إشارة إلى أن أكل الطيبات والتمتع بالمستلذات المحللة ليس بحرام، بل الحكم بكونه حراما حرام لأنه قول على الله بغير علم.
وقيل: الفواحش جميع القبائح والكبائر ما علن منها وما خفي، وقيل: هي الزنا، وقيل: الطواف عاريا، وقيل: الاثم الذنوب والمعاصي، وقيل: ما دون الحد وقيل: الخمر والبغي الظلم والفساد، وقوله: " بغير الحق " تأكيد.
قوله سبحانه: " ويحل لهم الطيبات " في مجمع البيان: معناه يبيح لهم المستلذات الحسنة ويحرم عليهم القبائح وما تعافه الأنفس، وقيل: يحل لهم ما اكتسبوه من وجه طيب ويحرم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث، وقيل: يحل لهم ما حرمه عليهم رهابينهم (2) وأحبارهم وما كان يحرمه أهل الجاهلية من البحائر والسوائب، ويحرم عليهم الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر معها انتهى (3).
وأقول: استدل أكثر أصحابنا على تحريم كثير من الأشياء التي تستقذرها طباع أكثر الخلق بهذه الآية، وفيه نظر إذ الظاهر من سياق الآية مدح النبي صلى الله عليه وآله وشريعته بأن ما يحل لهم هو طيب واقعا وإن لم نفهم طيبه، وما يحرم عليهم هو الخبيث واقعا وإن لم نعلم خبثه، كالطعام اللذيذ الذي عمل من مال السرقة تستلذه الطباع وهو خبيث واقعا، وأكثر الأدوية التي يحتاج الناس إليها في غاية البشاعة والنكارة وتستقذرها الطباع ولم أر قائلا بتحريمها فالحمل على المعنى الذي لا يحتاج إلى تخصيص ويكون موافقا لقواعد الامامية من الحسن والقبح العقليين أولى من الحمل على معنى يحتاج إلى تخصيصات كثيرة، بل ما يخرج عنهما أكثر مما يدخل فيهما