كما لا يخفى على من تتبع مواردهما، ويمكن أن يقال: هذه الآية كالصريحة في الحسن والقبح العقليين ولم يستدل بها الأصحاب رضي الله عنهم.
وقال الشهيد الثاني رفع الله درجته في المسالك: والطيب يطلق على الحلال قال تعالى: " كلوا من طيبات ما رزقناكم " أي من الحلال وعلى الطاهر قال تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " (1) أي طاهرا، وعلى ما لا أذى فيه كالزمان الذي لا حر فيه ولا برد يقال: هذا زمان طيب، وما تستطيبه النفس ولا تنفر منه كقوله تعالى: " يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " (2) إذ ليس المراد منها هنا الحلال لعدم الفائدة في الجواب على تقديره لأنهم سألوه أن يبين لهم لهم الحلال، فلا يقول في الجواب: الحلال، ولا الطاهر لأنه إنما يعرف من الشرع توقيفا، ولا ما لا أذى فيه لان المأكول لا يوصف به، فتعين المراد ردهم إلى ما يستطيبونه ولا يستخبثونه لردهم إلى عادتهم وما هو مقرر في طباعهم، ولان ذلك هو المتبادر من معنى الطيب عرفا، وفي الاخبار ما ينبه عليه، والمراد بالعرف الذي يرجع إليه في الاستطابة عرف الأوساط من أهل اليسار في حالة الاختيار دون أهل البوادي وذوي الاضطرار من جفاة العرب فإنهم يستطيبون ما دب ودرج كما سئل بعضهم مما يأكلون، فقال: كل ما دب ودرج إلا أم جنين. فقال بعضهم: ليهن أم جنين العافية لكونها أمنت أن تؤكل، هذا خلاصة ما قرره الشيخ في المبسوط وغيره إلا أنه فصل أولا المحلل إلى حيوان وغيره وقسم الحيوان إلى حي وغيره، وقال: ما كان من الحيوان حيا فهو حرام حيث لم يرد به الشرع، محتجا بأن ذبح الحيوان محظور، وما كان من الحيوان غير حي أو من غيره فهو على أصل الإباحة وفي استثناء الحيوان الحي من ذلك نظر لعموم الأدلة والاستناد إلى تحريم ذبحه بدون الشرع في حيز المنع، فهذا هو الأصل الذي يرجع إليه في باب الأطعمة انتهى (3).