محرمات كثيرة؟
قلنا: إذا حملنا " من " على التبعيض لا يرد ذلك، وأيضا يمكن أن يكون هذا قبل تحريم ما حرم من الأشياء فإنه يظهر من بعض الأخبار أنه لم يجب قبل الهجرة شئ سوى الشهادتين وما يتبعهما من العقائد ولم يحرم سوى الشرك وإنكار النبوة وما يلزمهما، وبعد الهجرة نزلت الواجبات والمحرمات تدريجا، على أنه يمكن أن يكون عاما مخصصا كما في سائر العمومات: فتدل على حل ما في الأرض جميعا إلا ما أخرجه الدليل.
وقيل: يظهر من عمومات الخطاب حل المحللات للكفار والفساق أيضا وجواز إعطائهم منها إلا ما دل على المنع منه دليل. " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " أي لا تتبعوا وساوس الشيطان في تحريم ما أحل الله، أو في ترك شكر ما أنعم الله، ويؤيد الأول قوله: " وأن تقولوا على الله " وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أن خطوات الشيطان الحلف بالطلاق والنذر في المعاصي وكل يمين بغير الله (1).
أقول: يحتمل أن يكون المراد الحلف والنذر على تحريم المحللات بقرينة صدر الآية.
وقيل: في هذا النهي تنبيه على أن المراد بحلالا في الامر التقييد لا إطلاق حل ما في الأرض والمأكول منه أو الاكل، وهو يعم مخالفة الامر بالتعدي إلى أكل غير الحلال، وباجتناب أكل الحلال وفعل غير ذلك من المحرمات انتهى. وضعفه ظاهر مما ذكرنا " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " مضمون صدر الآية قريب مما تقدم إلا أنها خاصة باعتبار الخطاب للمؤمنين، وقيل: الامر للترغيب أو لإباحة أكل ما يستلذه المؤمنون ويستطيبونه ويعدونه طيبا لا خبيثا ينفر عنه الطبع ويجزم العقل بقبح أكله مثل الدم والبول والمني والحشرات وغيرها، فيفهم منه كونه طاهرا أيضا إذ النجس خبيث وليس مما يعدونه طيبا، فهو في الدلالة على