وأراد بذلك أن قطع المرئ لا دليل عليه، إذ لو أراد بالأوداج ما يشمله لم يفتقر إلى إثبات أمر آخر لان ذلك غاية ما قيل، وفيه ميل إلى قول آخر وهو اعتبار قطع الحلقوم والودجين، لكن قد عرفت أن الرواية لا تدل على اعتبار قطعها رأسا، وأن الأوداج بصيغة الجمع تطلق على الأربعة فتخصيصها بالودجين والحلقوم ليس بجيد، وكيف قرر فالوقوف مع القول المشهور هو الأحوط انتهى.
وأقول: إطلاق الأوداج (1) على الأربعة إطلاق مجازي من الفقهاء ولا حجر في المجاز فيمكن اطلاقها على الثلاثة أيضا بل هو أقرب إلى الحقيقة.
ثم إن هذا القول وقول ابن الجنيد والقول بالتخيير الذي ذكرنا سابقا كل ذلك أوفق لعموم الآيات من المشهور فإن قوله تعالى: " كلوا مما ذكر اسم الله عليه " يشملها وأيضا قوله: " إلا ما ذكيتم " يشملها، وأيضا لان التذكية ليس إلا الذبح أو النحر ولم يثبت كونها حقيقة شرعية في المعنى الذي ذكره القوم.
قال الراغب في المفردات: حقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية، لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه، ويدل على هذا الاشتقاق قولهم في الميت: خامد وهامد، وفي النار الهامدة ميتة (2). وقال: الذبح: شق حلق الحيوانات (3).
وفي الصحاح التذكية: الذبح، وقال الذبح: الشق، والذبح مصدر ذبحت الشاة انتهى، والظاهر أن التذكية والذبح لغة وعرفا يتحققان بفري الحلقوم أو الودجين.
الثامن: أن إطلاق الآيات تدل على تحقق التذكية بكل آلة يتحقق بها الذبح إلا أن يقال: المطلق ينصرف إلى الفرد الشايع الغالب وهو التذكية بالحديد،