من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أخيارا " وأبرارا " منهم عمار بن ياسر وأين مثل عمار فوالله لقد أتينا مع النبي صلى الله عليه وآله (1) ولا يعد منا خمسة إلا كان سادسهم ولا أربعة إلا كان عمار خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان ولعمر الله ما ألب (2) على عثمان ولا أجمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته أصحاب الشجرة الملعونة في القرآن، (3) فلما لم أجبه إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا " في نفسه بطغيانه وبغيه، بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمرا " فاتبعوه وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه، فناجزناهم إلى الله بعد الإعذار والإنذار، فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا " لقيناه بعادة الله التي عودناه من النصر على أعدائه وعدونا وراية رسول الله صلى الله عليه وآله بأيدينا لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى أفضى الموت إليه فحل منه محل السحا (4) وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله صلى الله وآله في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب، فركب فرسه وقلب رايته، لا يدري كيف يحتال، فاستعان برأي ابن العاص فأشار إليه بإظهار المصاحف ورفعها على الأعلام والدعاء إلى ما فيها فقال له: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصيرة ورحمة ومعنى، وقد دعوك إلى كتاب الله أولا وهم مجيبوك إليه آخرا "، فأطاعه فيما أشار به إليه إذ رأى أنه لا منجى من القتل غيره، فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم وجدهم في قتال أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم وظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه والتمام على ما يفارقهم عليه، فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا علي بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى المكر أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري وأبوا إلا إجابته، كرهت أم هويت، شئت أم أبيت، حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته، فجهدت - علم الله جهدي - ولم أدع غاية في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني ورأيي، فلم يفعلوا وراودتهم
(١٧٨)