قال ابن دأب: ثم نظروا وفتشوا في العرب وكان الناظر في ذلك أهل النظر، فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدين والدنيا بالاضطرار على ما أحبوا وكرهوا إلا في علي بن أبي طالب عليه السلام فحسدوه عليها حسدا أنغل القلوب (1) وأحبط الأعمال، وكان أحق الناس وأولاهم بذلك إذ هدم الله عز وجل به بيوت المشركين ونصر به الرسول صلى الله عليه وآله واعتز به الدين في قتله من قتل من المشركين في مغازي النبي صلى الله عليه وآله.
قال ابن دأب: فقلنا لهم: وما هذه الخصال؟ قالوا: المواساة للرسول صلى الله عليه وآله وبذل نفسه دونه، والحفيظة، ودفع الضيم عنه، والتصديق للرسول صلى الله عليه وآله بالوعد، والزهد و ترك الأمل، والحياء، والكرم، والبلاغة في الخطب، والرئاسة، والحلم، والعلم، والقضاء بالفصل، والشجاعة، وترك الفرح عند الظفر، وترك إظهار المرح، وترك الخديعة والمكر والغدر، وترك المثلة وهو يقدر عليها، والرغبة الخالصة إلى الله، وإطعام الطعام على حبه، وهو أن ما ظفر به من الدنيا عليه، وتركه أن يفضل نفسه وولده على أحد من رعيته و طعامه أدنى ما تأكل الرعية، ولباسه أدنى ما يلبس أحد من المسلمين، وقسمه بالسوية و عدله في الرعية، والصرامة في حربه (2) وقد خذله الناس، وكان في خذل الناس وذهابهم عنه بمنزلة اجتماعهم عليه طاعة لله وانتهاء إلى أمره، والحفظ وهو الذي تسميه العرب العقل حتى سمي أذنا " واعية، والسماحة، وبث الحكمة، واستخراج الكلمة، والإبلاغ في الموعظة، وحاجة الناس إليه إذا حضر، حتى لا يؤخذ إلا بقوله، وانغلاق كلما في الأرض (3) على الناس حتى يستخرجه، والدفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف، والمروءة، وعفة البطن والفرج، وإصلاح المال بيده ليستغني به عن مال غيره، وترك الوهن والاستكانة وترك الشكاية في موضع ألم الجراحة، وكتمان ما وجد في جسده من الجراحات من قرنه إلى قدمه وكانت ألف جراحة في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود ولو على نفسه، وترك الكتمان فيما لله فيه الرضا على ولده، وإقرار الناس بما