رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها فخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر فظنت فاطمة " عليه السلام " انه إنما فعل ذلك لما رأى من المستكين والقلادة والستر فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت للرسول قل له تقرأ عليك السلام ابنتك، وتقول اجعل هذا في سبيل الله فلما أتاه قال جعل فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة من ماء، ثم قام فدخل عليها صلوات الله عليهما.
(وروى) انه لما مات إسماعيل بن جعفر، وفرغ من جنازته جلس الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلام، وجلس قوم حوله وهو مطرق، ثم رفع رأسه فقال: أيها الناس ان هذه الدنيا دار فراق، ودار التواء لا دار استواء على أن فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا ترد، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد، ثم تمثل بقول أبى خراش الهذلي يرثى أخاه:
ولا تحسبي أنى تناسيت عهده * ولكن صبري يا أميم جميل قيل للصادق " عليه السلام ": أي الخصال بالمرئ أجمل: قال وقار بلا مهابة وسماح بلا طلب مكافاة وتشاغل بغير متاع الدنيا.
قال أمير المؤمنين " عليه السلام ": من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شر من يومه فمحروم، ومن لم يبال ما زرى من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ومن كان في نقص فالموت خير له ان الدنيا خضرة حلوة، ولها أهل وان الآخرة لها أهل طلقت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا ينافسون في الدنيا، ولا يفرحون بغضارتها ولا يحزنون لبؤسها ألا فان طالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه وعلى أثر الماضي يصير الباقي ان الله تعالى خلق خلقا ضيق عليهم الدنيا نظرا لهم فزهدهم فيها وفى حطامها فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها، وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عند الله من الكرامة، وبذلوا أنفسهم