فأوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم.
فان قال: فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهر مثل تلك الأوقات أوجبها بين الظهر والمغرب ولم يوجبها بين العتمة والغداة أو بين الغداة والظهر؟ قيل لأنه ليس وقت على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى ان يعم فيه الضعيف والقوى بهذه الصلاة من هذا الوقت وذلك أن الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارات والمعاملات والذهاب في الحوايج وإقامة الأسواق فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشتغلون به ولا ينتبهون لوقته لو كان واجبا ولا يمكنهم ذلك فخفف الله عنهم ولم يجعلها في أشد الأوقات عليهم ولكن جعلها في أخف الأوقات عليهم كما قال الله تعالى:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
فان قال: فلم يرفع اليدين في التكبير قيل لان رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فأحب الله عز وجل أن يكون في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في وقت رفع اليدين أحضار النية وإقبال على ما قال وقصد لان الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح وكل سنة فإنها تؤدى على جهة الفرض فلما إن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب ان يؤدوا السنة على جهة ما يؤدى الفرض.
فان قال: فلم جعل صلاة السنة أربعة وثلاثين ركعا؟ قيل لان الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة كمالا للفريضة.
فان قال: فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة ولم تجعل في وقت واحد؟
قيل لان أفضل الأوقات ثلاثة عند زوال الشمس وبعد الغروب وبالاسحار فأوجب ان يصلى له في هذه الأوقات الثلاثة لأنه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان أداؤها أيسر وأخف من أن تجمع كلها في وقت.
فان قال: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين وإذا كانت