ومنها قوله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج (1).
فإن هذه الآيات دلت على نفي الحكم الذي يوجب العسر والحرج دلالة تامة كاملة، ومن المعلوم أن القاعدة متخذة من هذه الآيات ولا حاجة إلى ذكر الروايات الواردة في الباب التي بلغت حد الاستفاضة، لأن بها غنى وكفاية فالقاعدة مسلمة لا إشكال فيها عند الفقهاء.
ولا شك في أنها من ضروريات الفقه، وتزيدها قوة ومتانة ما ورد في بعض الروايات استناد الحكم إلى هذه القاعدة، كما في صحيح محمد بن مسلم قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (الشيخ الكبير والذي به العطاش لاحرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان) (2). فالافطار في هذه الصحيحة مستند إلى قاعدة لا حرج. ولا يخفى أن مفاد القاعدة هو نفي الحكم الحرجي بنحو العزيمة لا الرخصة، كما قال المحقق صاحب الجواهر رحمه الله في مسألة إفطار الشيخ الكبير: ثم لا يخفى عليك أن الحكم في المقام ونظائره من العزائم لا الرخص، ضرورة كون المدرك فيه نفي الحرج ونحوه (نفي العسر) مما يقتضي برفع التكليف (3).
بقيت أمور ينبغي التنبيه عليها:
1 - ما هو الضابط للحرج؟ التحقيق أن ملاك الحرج هي المشتقة التي تكون فوق المتعارف، والمرجع للتشخيص هو المكلف نفسه، أو من هو أعرف به منه.
2 - هل الحرج نوعي أو شخصي؟ لا اشكال في أن الحرج الذي هو رافع للتكليف هو الحرج الشخصي، وذلك لأن التكليف شخصي والخطابات الشرعية تنحل إلى خطابات شخصية لكل فرد، وبالنتيجة يتعلق التكليف لكل شخص من المكلفين، وإذا فرض كون الحرج نوعيا لا يكون رافعا للتكليف الشخصي، لاختلاف المتعلق فما رفع بالحرج لم يكن متعلق التكليف، وما تعلق به التكليف لم