يعزر تأديبا لا عقوبة لأنه من أهل التأديب ألا ترى إلى ما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وذلك بطريق التأديب والتهذيب لا بطريق العقوبة لأنها تستدعى الجناية وفعل الصبي لا يوصف بكونه جناية بخلاف المجنون والصبي الذي لا يعقل لأنهما ليسا من أهل العقوبة ولا من أهل التأديب * (فصل) * وأما قدر التعزير فإنه ان وجب بجناية ليس من جنسها ما يوجب الحد كما إذا قال لغيره يا فاسق يا خبيث يا سارق ونحو ذلك فالامام فيه بالخيار ان شاء عزره بالضرب وان شاء بالحبس وان شاء بالكهر والاستخفاف بالكلام وعلى هذا يحمل قول سيدنا عمر رضي الله عنه لعبادة بن الصامت يا أحمق ان ذلك كان على سبيل التعزير منه إياه لا على سبيل الشتم إذ لا يظن ذلك من مثل سيدنا عمر رضي الله عنه لا بأحد فضلا عن الصحابي ومن مشايخنا من رتب التعزير على مراتب الناس فقال التعازير على أربعة مراتب تعزير الاشراف وهم الدهاقون والقواد وتعزير أشراف الاشراف وهم العلوية والفقهاء وتعزير الأوساط وهم السوقة وتعزير الأخساء وهم السفلة فتعزير اشراف الاشراف بالأعلام المجرد وهو أن يبعث القاضي أمينه إليه فيقول له بلغني أنك تفعل كذا وكذا وتعزير الاشراف بالأعلام والجر إلى باب القاضي والخطاب بالمواجهة وتعزير الأوساط الاعلام والجر والحبس وتعزير السفلة الاعلام والجر والضرب والحبس لان المقصود من التعزير هو الزجر وأحوال الناس في الانزجار على هذه المراتب وان وجب بجناية في جنسها الحد لكنه لم يجب لفقد شرطه كما إذا قال لصبي أو مجنون يا زاني أو لذمية أو أم ولد يا زانية فالتعزير فيه بالضرب ويبلغ أقصى غاياته وذلك تسعة وثلاثون في قول أبي حنيفة عليه الرحمة وعند أبي يوسف خمسة وسبعون وفى رواية النوادر عنه تسعة وسبعون وقول محمد عليه الرحمة مضطرب ذكره الفقيه أبو الليث رحمه الله والحاصل أنه لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم أنه لا يبلغ التعزير الحد لما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين الا أن أبا يوسف رحمه الله صرف الحد المذكور في الحديث على الأحرار وزعم أنه الحد الكامل لا حد المماليك لان ذلك بعض الحد وليس بحد كامل ومطلق الاسم ينصرف إلى الكامل في كل باب ولان الأحرار هم المقصودون في الخطاب وغيرهم ملحق بهم فيه ثم قال في رواية ينقص منها سوط وهو الاقيس لان ترك التبليغ يحصل به وفى رواية قال ينتقص منها خمسة وروى ذلك أثرا عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال يعزر خمسة وسبعين قال أبو يوسف رحمه الله فقلدته في نقصان الخمسة واعتبرت عنه أدنى الحدود وروى عنه أنه قال أخذت كل نوع من بابه وأخذت التعزير في اللمس والقبلة من حد الزنا والقذف بغير الزنا من حد القذف ليكون الحاق كل نوع ببابه وأبو حنيفة صرفه إلى حد المماليك وهو أربعون لأنه ذكر حدا منكرا فيتناول حدا ما وأربعون حد كامل في المماليك فينصرف إليه ولان في الحمل على هذا الحد أخذا بالثقة والاحتياط لان اسم الحد يقع على النوعين فلو حملناه على ما قاله أبو حنيفة يقع الا من عند وعيد التبليغ لأنه لا يبلغ ولو حملناه على ما قاله أبو يوسف لا يقع الا من عنه لاحتمال انه أراد به حد المماليك فيصير مبلغا غير الحد الحد فيلحقه الوعيد فكان الاحتياط فيما قاله أبو حنيفة رحمه الله والله تعالى الموفق * (فصل) * واما صفته فله صفات منها انه أشد الضرب واختلف المشايخ في المراد بالشدة المذكورة قال بعضهم أريد بها الشدة من حيث الجمع وهي ان يجمع الضربات فيه على عضو واحد ولا يفرق بخلاف الحدود وقال بعضهم المراد منها الشدة في نفس الضرب وهو الايلام ثم إنما كان أشد الضرب لوجهين أحدهما انه شرع للزجر المحض ليس فيه معنى تكفير الذنب بخلاف الحدود فان معنى الزجر فيها يشوبه معنى التكفير للذنب قال عليه الصلاة والسلام الحدود كفارات لأهلها فإذا تمحض التعزير للزجر فلا شك ان الأشد أزجر فكان في تحصيل ما شرع له أبلغ والثاني انه قد نقص عن عدد الضربات فيه فلو لم يشدد في الضرب لا يحصل المقصود منه وهو الزجر ومنها انه يحتمل العفو
(٦٤)