في هذه الحالة من القاء النفس إلى التهلكة وانه حرام ثم الصوم في السفر أفضل من الافطار عندنا إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه وقال الشافعي الافطار أفضل بناء على أن الصوم في السفر عندنا عزيمة والافطار رخصة وعند الشافعي على العكس من ذلك وذكر القدوري في المسألة اختلاف الصحابة فقال روى عن حذيفة وعائشة وعروة بن الزبير مثل مذهبنا وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما مثل مذهبه واحتج بما روينا من الحديثين في المسألة الأولى ولنا قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله تعالى ولتكملوا العدة والاستدلال بالآية من وجوه أحدهما انه أخبر أن الصيام مكتوب على المؤمنين عاما أي مفروض إذ الكتابة هي الفرض لغة والثاني انه أمر بالقضاء عند الافطار بقوله عز وجل فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر والامر بالقضاء عند الافطار دليل الفرضية من وجهين أحدهما أن القضاء لا يجب في الآداب وإنما يجب في الفرائض والثاني أن القضاء بدل عن الأداء فيدل على وجوب الأصل والثالث أن الله تعالى من علينا بإباحة الافطار بعذر المرض والسفر بقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر أي يريد الاذن لكم بالافطار للعذر ولو لم يكن الصوم فرضا لم يكن للامتنان بإباحة الفطر معنى لان الفطر مباح في صوم النفل بالامتناع عنه والرابع أنه قال ولتكملوا العدة شرط اكمال العدة في القضاء وهو دليل لزوم حفظ المتروك لئلا يدخل التقصير في القضاء وإنما يكون ذلك في الفرائض وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كانت له حمولة تأوى إلى سبع فليصم رمضان حيث أدركه أمر المسافر بصوم رمضان إذا لم يجهده الصوم فثبت بهذه الدلائل أن صوم رمضان فرض على المسافر الا أنه رخص له الافطار وأثر الرخصة في سقوط المأثم لا في سقوط الوجوب فكان وجوب الصوم عليه هو الحكم الأصلي وهو معنى العزيمة وروى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المسافر ان أفطر فرخصة وان يصم فهو أفضل وهذا نص في الباب لا يحتمل التأويل وما ذكرنا من الدلائل في هذه المسألة حجة في المسألة الأولى لأنها تدل على وجوب الصوم على المسافر في رمضان وما لا يعتد به لا يجب والجواب عن تعلقه بالحديثين ما ذكرناه في المسألة الأولى انهما يحملان على حال خوف التلف على نفسه لو صام عملا بالدلائل أجمع بقدر الامكان وهذا الذي ذكرنا من وجوب الصوم على المسافر في رمضان قول عامة مشايخنا وعند بعضهم لا وجوب على المسافر في رمضان والافطار مباح مطلق لأنه ثبت رخصة وتيسير عليه ومعنى الرخصة وهو التيسير والسهولة في الإباحة المطلقة أكمل لما فيه من سقوط الحظر والمؤاخذة جميعا الا أنه إذا ترك الترخص واشتغل بالعزيمة يعود حكم العزيمة لكن مع هذا الصوم في حقه أفضل من الافطار لما روينا من حديث أنس رضي الله عنه وأما المبيح المطلق من السفر فما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم والافطار في مثله واجب فضلا عن الإباحة لما ذكرنا في المرض وأما الاكراه على افطار صوم شهر رمضان بالقتل في حق الصحيح المقيم فمرخص والصوم أفضل حتى لو امتنع من الافطار حتى قتل يثاب عليه لان الوجوب ثابت حالة الاكراه وأثر الرخصة في الاكراه في سقوط المأتم بالترك لا في سقوط الوجوب بل بقي الوجوب ثابتا والترك حراما وإذا كان الصوم واجبا حالة الاكراه والافطار حراما كان حق الله تعالى قائما فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامة حق الله تعالى طلبا لمرضاته فكان مجاهدا في دينه فيثاب عليه وأما في حق المريض والمسافر فالاكراه مبيح مطلق في حقهما بل موجب والأفضل هو الافطار بل يجب عليه ذلك ولا يسعه أن لا يفطر حتى لو امتنع من ذلك فقتل يأثم ووجه الفرق ان في الصحيح المقيم الوجوب كان ثابتا قبل الاكراه من غير رخصة الترك أصلا فإذا جاء الاكراه وانه من أسباب الرخصة فكان أثره في اثبات رخصة الترك لا في اسقاط الوجوب فكان الوجوب قائما فكان حق الله تعالى قائما فكان بالامتناع باذلا نفسه لإقامة حق الله تعالى فكان أفضل كما في الاكراه على اجراء كلمة الكفر والاكراه على اتلاف مال الغير فاما في المريض والمسافر فالوجوب مع رخصة الترك كان ثابتا قبل الاكراه فلابد وأن يكون للاكراه أثر آخر لم يكن ثابتا قبله وليس ذلك الا اسقاط الوجوب رأسا واثبات الإباحة المطلقة فنزل منزلة الاكراه على أكل الميتة وهناك يباح له
(٩٦)