* (فصل) * ويتصل بهذا بيان ما يعم المحرم والحلال جميعا وهو محظورات الحرم فنذكرها فنقول وبالله التوفيق محظورات الحرم نوعان نوع يرجع إلى الصيد ونوع يرجع إلى النبات اما الذي يرجع إلى الصيد فهو انه لا يحل قتل صيد الحرم للمحرم والحلال جميعا الا المؤذيات المبتدئة بالأذى غالبا وقد بينا ذلك في صيد الاحرام والأصل فيه قوله تعالى أو لم يروا انا جعلنا حرما آمنا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم وقوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وهذا يتناول صيد الاحرام والحرم جميعا لأنه يقال أحرم إذا دخل في الاحرام وأحرم إذا دخل في الحرم كما يقال إنجد إذا دخل نجد واتهم إذا دخل تهامة وأعرق إذا دخل العراق وأحرم إذا دخل في الشهر الحرام ومنه قول الشاعر في عثمان رضي الله عنه قتل ابن عفان الخليفة محرما * ودعا فلم أر مثله مخذولا الخليفة محرما أي في الشهر الحرام واللفظ وإن كان مشتركا لكن المشترك في محل النفي يعم لعدم التنافي الا ان الدخول في الشهر الحرام ليس بمراد بالاجماع لان أخذ الصيد في الشهر الحرم لم يكن محظورا ثم قد نسخت الأشهر الحرم فبقي الدخول في الحرم والاحرام مرادا بالآيتين الا ما خص بدليل وقول النبي صلى الله عليه وسلم الا ان مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض لم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها والاستدلال به من وجوه أحدها قوله مكة حرام والثاني قوله حرمها الله تعالى والثالث قوله ولا تحل لاحد بعدي والرابع قوله ثم عادت حراما إلى يوم القيامة والخامس قوله لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فان قتل صيد الحرم فعليه الجزاء محرما كان القاتل أو حلالا لقوله تعالى ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل وجزاؤه ما هو جزاء قاتل صيد الاحرام وهو ان تجب عليه قيمته فان بلغت هديا له ان يشترى بها هديا أو طعاما الا انه لا يجوز الصوم هكذا ذكر في الأصل وهكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان حكمه حكم صيد الاحرام الا انه لا يجوز فيه الصوم وذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ان الاطعام يجزئ في صيد الحرم ولا يجزئ الصوم عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجزئ وبه أخذ الشافعي وفى الهدى روايتان وجه قول زفر الاعتبار بصيد الاحرام لان كل واحد من الضمانين يجب حقا لله تعالى ثم يجزئ الصوم في أحدهما كذا في الآخر (ولنا) الفرق بين الصيدين والضمانين وهو ان ضمان صيد الاحرام وجب لمعنى يرجع إلى الفاعل لأنه وجب جزاء على جنايته على الاحرام فاما ضمان صيد الحرم فإنما وجب لمعنى يرجع إلى المحل وهو تفويت أمن الحرم رعاية لحرمة الحرم فكان بمنزلة ضمان سائر الأموال وضمان سائر الأموال لا يدخل فيه الصوم كذا هذا واما الهدى فوجه رواية عدم الجواز ما ذكرنا ان هذا الضمان يشبه ضمان سائر الأموال لان وجوبه لمعنى في المحل فلا يجوز فيه الهدى كما لا يجوز في سائر الأموال الا أن تكون قيمته مذبوحا مثل قيمة الصيد فيجزئ عن الطعام وجه رواية الجواز ان ضمان صيد الحرم له شبه بأصلين ضمان الأموال وضمان الافعال اما شبهه بضمان الأموال فلما ذكرنا واما شبهه بضمان الافعال وهو ضمان الاحرام فلانه يجب حقا لله تعالى فيعمل بالشبهين فنقول انه لا يدخل فيه الصوم اعتبارا لشبه الأموال ويدخل فيه الهدى اعتبارا لشبه الافعال وهو الاحرام عملا بالشبهين بالقدر الممكن إذ لا يمكن القول بالعكس ولان الهدى مال فكان بمنزلة الاطعام والصوم ليس بمال ولا فيه معنى المال فافترقا ولو قتل المحرم صيدا في الحرم فعليه ما على المحرم إذا قتل صيدا في الحل وليس عليه لأجل الحرم شئ وهذا استحسان والقياس ان يلزمه كفارتان لوجود الجناية على شيئين وهما الاحرام والحرم فأشبه القارن الا أنهم استحسنوا وأوجبوا كفارة الاحرام لا غير لان حرمة الاحرام أقوى من حرمة الحرم فاستتبع الأقوى الأضعف وبيان أن حرمة الاحرام أقوى من وجوه أحدها أن حرمه الاحرام ظهر أثرها في الحرم والحل جميعا حتى حرم على المحرم الصيد في الحرم والحل جميعا وحرمة الاحرام لا يظهر أثرها الا في الحرم حتى يباح للحلال الاصطياد
(٢٠٧)