نوعي الاعتكاف الواجب والتطوع لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وصفهم بكونهم عاكفين في المساجد مع أنهم لم يباشروا الجماع في المساجد لينهوا عن الجماع فيها فدل ان مكان الاعتكاف هو المسجد ويستوى فيه الاعتكاف الواجب والتطوع لان النص مطلق ثم ذكر الكرخي انه لا يصح الاعتكاف الا في مساجد الجماعات يريد به الرجل وقال الطحاوي انه يصح في كل مسجد وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه لا يجوز الا في مسجد تصلى فيه الصلوات كلها واختلفت الرواية عن ابن مسعود رضي الله عنه روى عنه انه لا يجوز الا في المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس كأنه ذهب في ذلك إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا اعتكاف الا في المسجد الحرام وروى أنه قال لا تشد الرحال الا لثلاث مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وفى رواية ومسجد الأنبياء ولنا عموم قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاعتكاف في كل مسجد له امام ومؤذن والمروى أنه لا اعتكاف الا في المسجد الحرام ان ثبت فهو على التناسخ لأنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في مسجد المدينة فصار منسوخا بدلالة فعله إذ فعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلح ناسخا لقوله أو يحمل على بيان الأفضل كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أو على المجاورة على قول من لا يكرهها وأما الحديث الآخر ان ثبت فيحمل على الزيارة أو على بيان الأفضل فأفضل الاعتكاف أن يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في المسجد الأقصى ثم في المسجد الجامع ثم في المساجد العظام التي كثر أهلها وعظم اما المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد ما خلا المسجد الحرام ولان للمسجد الحرام من الفضائل ما ليس لغيره من كون الكعبة فيه ولزوم الطواف به ثم بعده مسجد المدينة لأنه مسجد أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم ثم مسجد بيت المقدس لأنه مسجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاجماع المسلمين على أنه ليس بعد المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد أفضل منه ثم المسجد الجامع لأنه مجمع المسلمين لإقامة الجمعة ثم بعده المساجد الكبار لأنها في معنى الجوامع لكثرة أهلها وأما المرأة فذكر في الأصل انها لا تعتكف الا في مسجد بيتها ولا تعتكف في مسجد جماعة وروى الحسن عن أبي حنيفة أن للمرأة ان تعتكف في مسجد الجماعة وان شاءت اعتكفت في مسجد بيتها ومسجد بيتها أفضل لها من مسجد حيها ومسجد حيها أفضل لها من المسجد الأعظم وهذا لا يوجب اختلاف الروايات بل يجوز اعتكافها في مسجد الجماعة على الروايتين جميعا بلا خلاف بين أصحابنا والمذكور في الأصل محمول على نفى الفضيلة لا على نفى الجواز توفيقا بين الروايتين وهذا عندنا وقال الشافعي لا يجوز اعتكافها في مسجد بيتها وجه قوله أن الاعتكاف قربة خصت بالمساجد بالنص ومسجد بيتها ليس بمسجد حقيقة بل هو اسم للمكان المعد للصلاة في حقها حتى لا يثبت له شئ من أحكام المسجد فلا يجوز إقامة هذا القربة فيه ونحن نقول بل هذه قربة خصت بالمسجد لكن مسجد بيتها له حكم المسجد في حقها في حق الاعتكاف لان له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة لحاجتها إلى احراز فضيلة الجماعة فأعطى له حكم مسجد الجماعة في حقها حتى كانت صلاتها في بيتها أفضل على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة المرأة في مسجد بيتها أفضل من صلاتها في مسجد دارها وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في مسجد حيها وإذا كان له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة فكذلك في حق الاعتكاف لان كل واحد منهما في اختصاصه بالمسجد سواء وليس لها أن تعتكف في بيتها في غير مسجد وهو الموضع المعد للصلاة لأنه ليس لغير ذلك الموضع من بيتها حكم المسجد فلا يجوز اعتكافها فيه والله أعلم * (فصل) * وأما ركن الاعتكاف ومحظوراته وما يفسده ومالا يفسده فركن الاعتكاف هو اللبث والإقامة يقال اعتكف وعكف أي أقام وقال الله تعالى قالوا لن نبرح عليه عاكفين أي لن نزال عليه مقيمين ويقال فلان معتكف على
(١١٣)