نزلت في قوم كانوا يعتكفون في المساجد وكانوا يخرجون يقضون حاجتهم في الجماع ثم يغتسلون ثم يرجعون إلى معتكفهم لا أنهم كانوا يجامعون في المساجد لينهوا عن ذلك بل المساجد في قلوبهم كانت أجل وأعظم من أن يجعلوها مكانا لوطئ نسائهم فثبت ان النهى عن المباشرة في حال الاعتكاف لأجل الاعتكاف فكان الجماع من محظورات الاعتكاف فيوجب فساده وسواء جامع ليلا أو نهارا لان النص مطلق فكان الجماع من محظورات الاعتكاف ليلا ونهارا وسواء كان عامدا أو ناسيا بخلاف الصوم فان جماع الناسي لا يفسد الصوم والنسيان لم يجعل عذرا في باب الاعتكاف وجعل عذرا في باب الصوم والفرق من وجهين أحدهما ان الأصل أن لا يكون عذرا لان فعل الناسي مقدورا لامتناع عنه في الجملة إذ الوقوع فيه لا يكون الا لنوع تقصير ولهذا كان النسيان جابر المؤاخذة عليه عندنا وإنما رفعت المؤاخذة ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ولهذا لم يجعل عذرا في باب الصلاة الا انه جعل عذرا في باب الصوم بالنص فيقتصر عليه والثاني ان المحرم في الاعتكاف عين الجماع فيستوي فيه العمد والسهو والمحرم في باب الصوم هو الافطار لا عين الجماع أو حرم الجماع لكونه افطارا لا لكونه جماعا فكانت حرمته لغيره وهو الافطار والافطار يختلف حكما بالعمد والنسيان ولو أكل أو شرب في النهار عامدا فسد صومه وفسد اعتكافه لفساد الصوم ولو أكل ناسيا لا يفسد اعتكافه لأنه لا يفسد صومه والأصل ان ما كان من محظورات الاعتكاف وهو ما منع عنه لأجل الاعتكاف لا لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالجماع والخروج من المسجد وما كان من محظورات الصوم وهو ما منع عنه لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالجماع والخروج من المسجد وكالأكل والشرب والفقه ما بينا ولو باشر فأنزل فسد اعتكافه لان المباشرة منصوص عليها في الآية وقد قيل في بعض وجوه التأويل ان المباشرة الجماع وما دونه ولان المباشرة مع الانزال في معنى الجماع فيلحق به وكذا لو جامع فيما دون الفرج فأنزل لما قلنا فإن لم ينزل لا يفسد اعتكافه لأنه بدون الانزال لا يكون في معنى الجماع لكنه يكون حراما وكذا التقبيل والمعانقة واللمس انه ان أنزل في شئ من ذلك فسد اعتكافه والا فلا يفسد لكنه يكون حراما بخلاف الصوم فان في باب الصوم لا تحرم الدواعي إذا كان يأمن على نفسه والفرق على نحو ما ذكرنا ان عين الجماع في باب الاعتكاف محرم وتحريم الشئ يكون تحريما لدواعيه لأنها تقضى إليه فلو لم تحرم لأدى إلى التناقض وأما في باب الصوم فعين الجماع ليس محرما إنما المحرم هو الافطار أو حرم الجماع لكونه افطارا وهذا لا يتعدى إلى الدواعي فهو الفرق ولو نظر فأنزل لم يفسد اعتكافه لانعدام الجماع صورة ومعنى فأشبه الاحتلام والله الموفق ولا يأتي الزوج امرأته وهي معتكفة إذا كانت اعتكفت باذن زوجها لان اعتكافها إذا كان باذن زوجها فإنه لا يملك الرجوع عنه لما بينا فيما تقدم فلا يجوز وطؤها لما فيه من افساد عبادتها ويفسد الاعتكاف بالردة لان الاعتكاف قربة والكافر ليس من أهل القربة ولهذا لم ينعقد مع الكفر فلا يبقى مع الكفر أيضا ونفس الاغماء لا يفسده بلا خلاف حتى لا ينقطع التتابع ولا يلزمه أن يستقبل الاعتكاف إذا أفاق وان أغمي عليه أياما أو أصابه لمم فسد اعتكافه وعليه إذا برأ أن يستقبل لأنه لزمه متتابعا وقد فاتت صفة التتابع فيلزمه الاستقبال كما في صوم كفارة الظهار فان تطاول الجنون وبقى سنين ثم أفاق هل يجب عليه أن يقضى أو يسقط عنه ففيه روايتان قياس واستحسان نذكرهما في موضعهما إن شاء الله تعالى ولو سكر ليلا لا يفسد اعتكافه عندنا وعند الشافعي يفسد وجه قوله إن السكران كالمجنون والجنون يفسد الاعتكاف فكذا السكر (ولنا) ان السكر ليس الا معنى له أثر في العقل مدة يسيرة فلا يفسد الاعتكاف ولا يقطع التتابع كالاغماء ولو حاضت المرأة في حال الاعتكاف فسد اعتكافها لان الحيض ينافي أهلية الاعتكاف لمنافاتها الصوم ولهذا منعت من انعقاد الاعتكاف فتمنع من البقاء ولو احتلم المعتكف لا يفسد اعتكافه لأنه لا صنع له فيه فلم يكن جماعا ولا في معنى الجماع ثم إن أمكنه الاغتسال في المسجد من غير أن يتلوث المسجد فلا بأس به والا فيخرج فيغتسل ويعود إلى المسجد ولا بأس للمعتكف أن يبيع ويشترى ويتزوج ويراجع ويلبس ويتطيب ويدهن ويأكل ويشرب بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر ويتحدث ما بدا له بعد
(١١٦)