حرام أي مقيم عليه فسمى من أقام على العبادة في المسجد معتكفا وعاكفا وإذا عرف هذا فنقول لا يخرج المعتكف من معتكفه في الاعتكاف الواجب ليلا ولا نهارا الا لما لابد له منه من الغائط والبول وحضور الجمعة لان الاعتكاف لما كان لبثا وإقامة فالخروج يضاده ولا بقاء للشئ مع ما يضاده فكان ابطالا له وابطال العبادة حرام لقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم الا انا جوزنا له الخروج لحاجة الانسان إذ لابد منها وتعذر قضاؤها في المسجد فدعت الضرورة إلى الخروج ولان في الخروج لهذه الحاجة تحقيق هذه القربة لأنه لا يتمكن المرء من أداء هذه القربة الا بالبقاء ولا بقاء بدون القوت عادة ولابد لذلك من الاستفراغ على ما عليه مجرى العادة فكان الخروج لها من ضرورات الاعتكاف ووسائله وما كان من وسائل الشئ كان حكمه حكم ذلك الشئ فكان المعتكف في حال خروجه عن المسجد لهذه الحاجة كأنه في المسجد وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج من معتكفه ليلا ولا نهارا الا لحاجة الانسان وكذا في الخروج في الجمعة ضرورة لأنها فرض عين ولا يمكن اقامتها في كل مسجد فيحتاج إلى الخروج إليها كما يحتاج إلى الخروج لحاجة الانسان فلم يكن الخروج إليها مبطلا لاعتكافه وهذا عندنا وقال الشافعي إذا خرج إلى الجمعة بطل اعتكافه وجه قوله إن الخروج في الأصل مضاد للاعتكاف ومناف له لما ذكرنا انه قرار وإقامة والخروج انتقال وزوال فكان مبطلا له الا فيما لا يمكن التحرز عنه كحاجة الانسان وكان يمكنه التحرز عن الخروج إلى الجمعة بان يعتكف في المسجد الجامع ولنا ان إقامة الجمعة فرض لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله والامر بالسعي إلى الجمعة أمر بالخروج من المعتكف ولو كان الخروج إلى الجمعة مبطلا للاعتكاف لما أمر به لأنه يكون أمرا بابطال الاعتكاف وانه حرام ولان الجمعة لما كانت فرضا حقا لله تعالى عليه والاعتكاف قربة ليست هي عليه فمتى أوجبه على نفسه بالنذر لم يصح نذره في ابطال ما هو حق لله تعالى عليه بل كان نذره عدما في ابطال هذا الحق ولان الاعتكاف دون الجمعة فلا يؤذن بترك الجمعة لأجله وقد خرج الجواب عن قوله إن الاعتكاف لبث والخروج يبطله لما ذكرنا ان الخروج إلى الجمعة لا يبطله لما بينا واما وقت الخروج إلى الجمعة ومقدار ما يكون في المسجد الجامع فذكر الكرخي وقال ينبغي أن يخرج إلى الجمعة عند الاذان فيكون في المسجد مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا وهو على الاختلاف في سنة الجمعة بعدها انها أربع في قول أبي حنيفة وعندهما ستة على ما ذكرنا في كتاب الصلاة وقال محمد إذا كان منزله بعيدا يخرج حين يرى أنه يبلغ المسجد عند النداء وهذا أمر يختلف بقرب المسجد وبعده فيخرج في أي وقت يرى أنه يدرك الصلاة والخطبة ويصلى قبل الخطبة أربع ركعات لان إباحة الخروج إلى الجمعة إباحة لها بتوابعها وسننها من توابعها بمنزلة الأذكار المسنونة فيها ولا ينبغي أن يقيم في المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة الا مقدار ما يصلى بعدها أربعا أو ستا على الاختلاف ولو أقام يوما وليلة الا ينتقض اعتكافه لكن يكره له ذلك اما عدم الانتقاض فلان الجامع لما صلح لابتداء الاعتكاف فلان يصلح للبقاء أولى لان البقاء أسهل من الابتداء واما الكراهة فلانه لما ابتدأ الاعتكاف في مسجد فكأنه عينه للاعتكاف فيه فيكره له التحول عنه مع امكان الاتمام فيه ولا يخرج لعيادة مريض ولا لصلاة جنازة لأنه لا ضرورة إلى الخروج لان عيادة المريض ليست من الفرائض بل من الفضائل وصلاة الجنازة ليست بفرض عين بل فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز ابطال الاعتكاف لأجلها وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرخصة في عيادة المريض وصلاة الجنازة فقد قال أبو يوسف ذلك محمول عندنا على الاعتكاف الذي يتطوع به من غير ايجاب فله أن يخرج متى شاء ويجوز أن تحمل الرخصة على ما إذا كان خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة الانسان أو للجمعة ثم عاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن كان خروجه لذلك قصدا وذلك جائز اما المرأة إذا اعتكفت في مسجد بيتها لا تخرج منه إلى منزلها الا لحاجة الانسان لان ذلك في حكم المسجد لها ما بينا فان خرج من المسجد الذي يعتكف فيه لعذر بان انهدم المسجد أو أخرجه السلطان مكرها أو غير السلطان
(١١٤)