غروب الشمس ولو نوى الليل دون النهار صحت نيته لأنه نوى حقيقة كلامه ولا يلزمه شئ لان الليل ليس وقتا للصوم والأصل في هذا ان الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع يدخل ما بإزائها من الليالي وكذا الليالي إذا ذكرت بلفظ الجمع يدخل ما بإزائها من الأيام لقوله تعالى في قصة زكريا عليه السلام ثلاثة أيام الا رمزا وقال عز وجل في موضع آخر ثلاث ليال سويا والقصة قصة واحدة فلما عبر في موضع باسم الأيام وفى موضع باسم الليالي دل ان المراد من كل واحد منهما هو وما بإزاء صاحبه حتى أن في الموضع الذي لم تكن الأيام فيه على عدد الليالي أفرد كل واحد منهما بالذكر قال الله تعالى سبع ليال وثمانية أيام حسوما وللآيتين حكم الجماعة ههنا لجريان العرف فيه كما في اسم الجمع على ما بينا ولو قال لله على أن اعتكف ثلاثين يوما ولا نية له فهو على الأيام والليالي متتابعا لكن التعيين إليه ولو قال نويت النهار دون الليل صحت نيته لأنه عنى به حقيقة كلامه دون ما نقل عنه بالعرف والعرف أيضا باستعمال هذه الحقيقة باق فيصح نيته ثم هو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق لان اللفظ مطلق عن قيد التتابع وكذا ذات الأيام لا تقتضي التتابع لتخلل ما ليس بمحل للاعتكاف بين كل يومين ولو قال عنيت الليالي دون النهار لم يعمل بنيته ولزمه الليل والنهار لأنه لما نص على الأيام فإذا قال نويت بها الليالي دون الأيام فقد نوى مالا يحتمله كلامه فلا يقبل قوله ولو قال لله على أن اعتكف ثلاثين ليلة وقال عنيت به الليالي دون النهار لا يلزمه شئ لأنه عنى به حقيقة كلامه والليالي في اللغة اسم للزمان الذي كانت الشمس فيه غائبة الا ان عند الاطلاق تتناول ما بإزائها من الأيام بالعرف فإذا عنى به حقيقة كلامه والعرف أيضا باستعمال هذه الحقيقة باق صحت نيته لمصادفتها محلها ولو قال لله على أن اعتكف شهرا يلزمه اعتكاف شهر أي شهر كان متتابعا في النهار والليالي جميعا سواء ذكر التتابع أو لا وتعيين ذلك الشهر إليه فيدخل المسجد قبل غروب الشمس فتغرب الشمس وهو فيه فيعتكف ثلاثين ليلة وثلاثين يوما ثم يخرج بعد استكمالها بعد غروب الشمس بخلاف ما إذا قال لله على أن أصوم شهرا ولم يعين ولم يذكر التتابع ولا نواه انه لا يلزمه التتابع بل هو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق وهذا الذي ذكرنا من لزوم التتابع في هذه المسائل مذهب أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يلزمه التتابع في شئ من ذلك الا بذكر التتابع أو بالنية وهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق وجه قوله إن اللفظ مطلق عن قيد التتابع ولم ينو التتابع أيضا فيجرى على اطلاقه كما في الصوم ولنا الفرق بينهما ووجه الفرق ان الاعتكاف عبادة دائمة ومبناها على الاتصال لأنه لبث وإقامة والليالي قابلة للبث فلا بد من التتابع وإن كان اللفظ مطلقا عن قيد التتابع لكن في لفظه ما يقتضيه وفى ذاته ما يوجبه بخلاف ما إذا نذر أن يصوم شهرا ولزمه أن يصوم شهرا غير معين انه إذا عين شهرا له ان يفرق لأنه أوجب مطلقا عن قيد التتابع وليس مبنى حصوله على التتابع بل على التفريق لان بين كل عبادتين منه وقتا لا يصلح لها وهو الليل فلم يوجد فيه قيد التتابع ولا اقتضاء لفظه وتعيينه فبقي له الخيار ولهذا لم يلزم التتابع فيما لم يتقيد بالتتابع من الصيام المذكور في الكتاب كذا هذا ولو نوى في قوله لله على أن اعتكف شهرا النهار دون الليل لم تصح نيته ويلزمه الاعتكاف شهرا بالأيام والليالي جميعا لان الشهر اسم لزمان مقدر بثلاثين يوما وليلة مركب من شيئين مختلفين كل واحد منهما أصل في نفسه كالبلق فإذا أراد أحدهما فقد أراد بالاسم ما لم يوضع له ولا احتمله فبطل كمن ذكر البلق وعنى به البياض دون السواد فلم تصادف النية محلها فلغت وهذا بخلاف اسم الخاتم فإنه اسم للحلقة بطريق الأصالة والفص كالتابع لها لأنه مركب فيها زينة لها فكان كالوصف لها فجاز ان يذكر الخاتم ويراد به الحلقة فاما ههنا فكل واحد من الزمانين أصل فلم ينطلق الاسم على أحدهما بخلاف ما إذا قال لله على أن أصوم شهرا حيث انصرف إلى النهار دون الليالي لان هناك أيضا لا نقول إن اسم الشهر تناول النهار دون الليالي لما ذكرنا من الاستحالة بل تناول النهار والليالي جميعا فكان مضيفا النذر بالصوم إلى الليالي والنهار جميعا معا غير أن الليالي ليست محلا لإضافة النذر بالصوم إليها فلم تصادف النية محلها فلغا ذكر الليالي والنهار محل لذلك فصحت الإضافة إليها على الأصل المعهود ان التصرف المصادف لمحله يصح والمصادف لغير محله يلغو فاما في الاعتكاف فكل واحد منهما محل ولو قال لله
(١١١)