ثلاثة غنى تجب به الزكاة وغنى يحرم به أخذ الصدقة وقبولها ولا تجب به الزكاة وغنى يحرم به السؤال ولا يحرم به الاخذ أما الغنا الذي تجب به الزكاة فهو ان يملك نصابا من المال النامي الفاضل عن الحاجة الأصلية وأما الغنا الذي يحرم به أخذ الصدقة وقبولها فهو الذي تجب به صدقة الفطر والأضحية وهو ان يملك من الأموال التي لا تجب فيها الزكاة ما يفضل عن حاجته وتبلغ قيمة الفاضل مائتي درهم من الثياب والفرش والدور والحوانيت والدواب والخدم زيادة على ما يحتاج إليه كل ذلك للابتذال والاستعمال لا للتجارة والاسامة فإذا فضل من ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم وجب عليه صدقة الفطر والأضحية وحرم عليه أخذ الصدقة ثم قدر الحاجة ما ذكره الكرخي في مختصره فقال لا بأس بأن يعطى من الزكاة من له مسكن وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن وكتب العلم إن كان من أهله فإن كان له فضل عن ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة لما روى عن الحسن البصري أنه قال كانوا يعطون الزكاة لمن يملك عشرة آلاف درهم من الفرس والسلاح والخادم والدار وقوله كانوا كناية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لأن هذه الأشياء من الحوائج اللازمة التي لابد للانسان منها فكان وجودها وعدمها سواء وذكر في الفتاوى فيمن له حوانيت ودور الغلة لكن غلتها لا تكفيه ولعياله انه فقير ويحل له أخذ الصدقة عند محمد وزفر وعند أبي يوسف لا يحل وعلى هذا إذا كان له أرض وكرم لكن غلته لا تكفيه ولعياله ولو كان عنده طعام للقوت يساوى مائتي درهم فإن كان كفاية شهر تحل له الصدقة وإن كان كفاية سنة قال بعضهم لا تحل وقال بعضهم تحل لان ذلك مستحق الصرف إلى الكفاية والمستحق ملحق بالعدم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخر لنسائه قوت سنة ولو كان له كسوة شتاء وهو لا يحتاج إليها في الصيف يحل له أخذ الصدقة ذكر هذه الجملة في الفتاوى وهذا قول أصحابنا وقال مالك من ملك خمسين درهما لا يحل له أخذ الصدقة ولا يباح أن يعطى واحتج بما روى عن علي وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم انهم قالوا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب وهذا نص في الباب ولنا حديث معاذ حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم قسم الناس قسمين الأغنياء والفقراء فجعل الأغنياء يؤخذ منهم والفقراء يرد فيهم فكل من لم يؤخذ منه يكون مردودا فيه وما رواه مالك محمول على حرمة السؤال معناه لا يحل سؤال الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب أو يحمل ذلك على كراهة الاخذ لان من له سداد من العيش فالتعفف أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله وقال الشافعي يجوز دفع الزكاة إلى رجل له مال كثير ولا كسب له وهو يخاف الحاجة ويجوز له الاخذ وهذا فاسد لان هذا دفع الزكاة إلى الغنى ولا سبيل إليه لما بينا وخوف حدوث الحاجة في الثاني لا يجعله فقيرا في الحال ألا تر انه لا يعتبر ذلك في سقوط الوجوب حتى تجب عليه الزكاة فكذا في جواز الاخذ ولو كان الفقير قويا مكتسبا يحل له أخذ الصدقة عندنا وعند الشافعي لا يحل واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى وفى بعض الروايات ولا لقوى مكتسب ولنا ما روى عن سلمان الفارسي أنه قال حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل ومعلوم انه لا يتوهم ان أصحابه رضي الله عنهم كانوا كلهم زمني بل كان بعضهم قويا مكتسبا وما رواه الشافعي محمول على حرمة الطلب والسؤال فان ذلك للزجر عن المسألة والحمل على الكسب والدليل عليه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين اللذين سألاه ان شئتما أعطيتكما منه ولا حق فيها لغني ولا لقوى مكتسب ولو كان حراما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليعطيهما الحرام ولكن قال ذلك للزجر عن السؤال والحمل على الكسب كذا هذا ويكره لمن عليه الزكاة ان يعطى فقيرا مائتي درهم أو أكثر ولو أعطى جاز وسقط عنه الزكاة في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يجوز ولا يسقط وجه قوله إن هذا نصاب كامل فيصير غنيا بهذا المال ولا يجوز الصرف إلى الغنى ولنا انه إنما يصير غنيا بعد ثبوت الملك له فاما قبله فقد كان فقيرا فالصدقة لاقت كف الفقير فجازت وهذا لان الغنا يثبت بالملك والقبض شرط ثبوت الملك فيقبض ثم يملك المقبوض ثم يصير غنيا الا ترى انه يكره لان المنتفع به
(٤٨)