ذلك وكذلك لم يذكر عن أحد من أرباب الأموال انه فرق صدقة واحدة على هؤلاء ولو كان الواجب هو القسمة على السوية بينهم لا يحتمل أن يقسموها كذلك ويضيعوا حقوقهم وأما الاستدلال فهو ان الله تعالى أمر بصرف الصدقات إلى هؤلاء بأسامي منبئة عن الحاجة فعلم أنه إنما أمر بالصرف إليهم لدفع حاجتهم والحاجة في الكل واحدة وان اختلفت الأسامي وأما الآية ففيها بيان مواضع الصدقات ومصارفها ومستحقيها لان اللام للاختصاص وهو انهم المختصون بهذا الحق دون غيرهم لا للتسوية لغة وإنما الصيغة للشركة والتسوية لغة حرف بين ألا ترى انه إذا قيل الخلافة لبني العباس والسدانة لبنى عبد الدار والسقاية لبني هاشم يراد به انهم المختصون بذلك لا حق فيها لغيرهم لأنها بينهم بالحصص بالسوية ولو قيل الخلافة بين بنى العباس والسدانة بين بنى عبد الدار والسقاية بين بني هاشم كان خطأ ولهذا قال أصحابنا فيمن قال مالي لفلان وللموتى انه كله لفلان ولو قال مالي بين فلان وبين الموتى كان لفلان نصفه ولو كان الامر على ما قاله الشافعي ان الصدقة تقسم بين الأصناف الثمانية على السوية لقال إنما الصدقات بين الفقراء الآية فان قيل أليس أن من قال ثلث مالي لفلان وفلان انه يقسم بينهما بالسوية كما إذا قال ثلث مالي بين فلان وفلان والجواب ان الاشتراك هنا ليس موجب الصيغة إذ الصيغة لا توجب الاشتراك والتسوية بينهما بل موجب الصيغة ما قلنا الا ان في باب الوصية لما جعل الثلث حقا لهما دون غيرهما وهو شئ معلوم لا يزيد بعد الموت ولا يتوهم له عدد وليس أحدهما بأولى من الآخر فقسم بينهما على السواء نظرا لهما جميعا فاما الصدقات فليست بأموال متعينة لا تحتمل الزيادة والمدد حتى يحرم البعض بصرفها إلى البعض بل يردف بعضها بعضا وإذا فنى مال يجئ مال آخر وإذا مضت سنة تجئ سنة أخرى بمال جديد ولا انقطاع للصدقات إلى يوم القيامة فإذا صرف الامام صدقة يأخذها من قوم إلى صنف منهم لم يثبت الحرمان للباقين بل يحمل إليه صدقة أخرى فيصرف إلى فريق آخر فلا ضرورة إلى الشركة والتسوية في كل مال يحمل إلى الامام من الصدقات والله أعلم وكما لا يجوز صرف الزكاة إلى الغنى لا يجوز صرف جميع الصدقات المفروضة والواجبة إليه كالعشور والكفارات والنذور وصدقة الفطر لعموم قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني ولان الصدقة مال تمكن فيه الخبث لكونه غسالة الناس لحصول الطهارة لهم به من الذنوب ولا يجوز الانتفاع بالخبيث الا عند الحاجة والحاجة للفقير لا للغنى وأما صدقة التطوع فيجوز صرفها إلى الغنى لأنها تجرى مجرى الهبة ولا يجوز الصرف إلى عبد الغنى ومدبره وأم ولده لان الملك في المدفوع نفع لمولاه وهو غنى فكان دفعا إلى الغنى هذا إذا كان العبد محجورا أو كان مأذونا لكنه لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته لان كسبه ملك الولي فالدفع يقع إلى المولى وهو غنى فلا يجوز ذلك وإن كان عليه دين مستغرق لكنه غير ظاهر في حق المولى لأنه يتأخر إلى ما بعد العتاق فكان كسبه ملك المولى وهو غنى وأما إذا كان ظاهرا في حق المولي كدين الاستهلاك ودين التجارة فينبغي أن يجوز على قول أبي حنيفة لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون والمديون دينا مستغرقا ظاهرا في حقه وعندهما لا يجوز لأنه يملك كسبه عندهما ويجوز الدفع إلى مكاتب الغنى لان كسب المالك المكاتب ملكه من حيث الظاهر وإنما يملكه المولى بالعجز ولم يوجد وأما ولد الغنى فإن كان صغيرا لم يجز الدفع إليه وإن كان فقيرا لا مال له لان الولد الصغير يعد غنيا بغنى أبيه وإن كان كبيرا فقيرا يجوز لأنه لا يعد غنيا بمال أبيه فكان كالأجنبي ولو دفع إلى امرأة فقيرة وزوجها غنى جاز في قول أبي حنيفة ومحمد وهو احدى الروايتين عن أبي يوسف وروى عنه انها لا تعطى إذا قضى لها بالنفقة وجه هذه الرواية ان نفقة المرأة تجب على زوجها فتصير غنية بغنى الزوج كالولد الصغير وإنما شرط القضاء لها بالنفقة لان النفقة لا تصير دينا بدون القضاء وجه ظاهر الرواية ان المرأة الفقيرة لا تعد غنية بغنى زوجها لأنها لا تستحق على زوجها الا مقدار النفقة فلا تعد بذلك القدر غنية وكذا يجوز الدفع إلى فقير له ابن غنى وإن كان يجب عليه نفقته لما قلنا إن تقدر النفقة لا يصير غنيا فيجوز الدفع إليه وأما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الأغنياء ان سماهم الواقف في الوقف ذكره الكرخي في مختصره وان لم يسمهم لا يجوز لأنها صدقة واجبة ثم لابد من معرفة حد الغنا فنقول الغنا أنواع
(٤٧)