أبو يوسف المراد منه فقراء الغزاة لان سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك وقال محمد المراد منه الحاج المنقطع لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يحمل عليه الحاج وقال الشافعي يجوز دفع الزكاة إلى الغازي وإن كان غنيا وأما عندنا فلا يجوز الا عند اعتبار حدوث الحاجة واحتج بما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحل الصدقة لغنى الا في سبيل الله أو ابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأعطاها له وعن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحل الصدقة الا لخمس العامل عليها ورجل اشتراها وغارم وغاز في سبيل الله وفقير تصدق عليه فأهداها إلى غنى نفى حل الصدقة للأغنياء واستثنى الغازي منهم والاستثناء من النفي اثبات فيقتضى حل الصدقة للغازي الغنى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني وقوله صلى الله عليه وسلم أمرت ان آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم جعل الناس قسمين قسما يؤخذ منهم وقسما يصرف إليهم فلو جاز صرف الصدقة إلى الغنى لبطلت القسمة وهذا لا يجوز وأما استثناء الغازي فمحمول على حال حدوث الحاجة وسماه غنيا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة وهو أن يكون غنيا ثم تحدث له الحاجة بأن كان له دار يسكنها ومتاع يمتهنه وثياب يلبسها وله مع ذلك فضل مائتي درهم حتى لا تحل له الصدقة ثم يعزم على الخروج في سفر غزو فيحتاج إلى آلات سفره وسلاح يستعمله في غزوه ومركب بغزو عليه وخادم يستعين بخدمته على ما لم يكن محتاجا إليه في حال اقامته فيجوز ان يعطى من الصدقات ما يستعين به في حاجته التي تحدث له في سفره وهو في مقامه غنى بما يملكه لأنه غير محتاج في حال اقامته فيحتاج في حال سفره فيحمل قوله لا تحل الصدقة لغني الا لغاز في سبيل الله على من كان غنيا في حال مقامه فيعطى بعض ما يحتاج إليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة الا انه يعطى حين يعطى وهو غنى وكذا تسمية الغارم غنيا في الحديث على اعتبار ما كان قبل حلول الغرم به وقد حدثت له الحاجة بسبب الغرم وهذا الان الغنى اسم لمن يستغنى عما يملكه وإنما كان كذلك قبل حدوث الحاجة فاما بعده فلا وأما قوله تعالى وابن السبيل فهو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيا في وطنه لأنه فقير في الحال وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحل الصدقة لغني الا في سبيل الله أو ابن السبيل الحديث ولو صرف إلى واحد من هؤلاء الأصناف يجوز عند أصحابنا وعند الشافعي لا يجوز الا ان يصرف إلى ثلاثة من كل صنف واحتج بقوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الأصناف أخبر الله تعالى ان الصدقات للأصناف المذكورين في الآية على الشركة فيجب ايصال كل صدقة إلى كل صنف الا ان الاستيعاب غير ممكن فيصرف إلى ثلاثة من كل صنف إذ الثلاثة أدنى الجمع الصحيح ولنا السنة المشهورة واجماع الصحابة وعمل الأئمة إلى يومنا هذا والاستدلال أما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فان أجابوك لذلك فأعلمهم ان الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ولم يذكر الأصناف الأخر وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم مذهبة في ترابها فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين الأقرع بن حابس وبين زيد الخليل وبين عيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة فغضبت قريش والأنصار وقالوا تعطى صناديد أهل نجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما أتألفهم ولو كان كل صدقة مقسومة على الثمانية بطريق الاستحقاق لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم المذهبة إلى المؤلفة قلوبهم دون غيرهم وأما اجماع الصحابة فإنه روى عن عمر رضي الله عنه انه كان إذا جمع صدقات المواشي من البقر والغنم نظر منها ما كان منيحة اللبن فيعطيها لأهل بيت واحد على قدر ما يكفيهم وكان يعطى العشرة للبيت الواحد ثم يقول عطية تكفى خير من عطية لا تكفى أو كلام نحو هذا وروى عن علي رضي الله عنه انه أتى بصدقة فبعثها إلى أهل بيت واحد وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال هؤلاء أهلها ففي أي صنف وضعتها أجزأك وكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال كذلك وأما عمل الأئمة فإنه لم يذكر عن أحد من الأئمة انه تكلف طلب هؤلاء الأصناف فقسمها بينهم مع ما انه لو تكلف الامام أن يظفر بهؤلاء الثمانية ما قدر على
(٤٦)