ولا يقوم فيسأل الناس فهو محمول على أن الذي يسأل وإن كان عندكم مسكينا فان الذي لا يسأل ولا يفطن به أشد مسكنة من هذا وعلى هذا يحمل ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال ليس المسكين الذي لا مال له ولكن المسكين الذي لا مكسب له أي الذي لا مال وإن كان مسكينا فالذي لا مال له ولا مكسب له أشد مسكنة منه وكأنه قال الذي لا مال له ولا مكسب فهو فقير والمسكين الذي لا مال له ولا مكسب وما قاله بعض مشايخنا ان الفقراء والمساكين جنس واحد في الزكاة بلا خلاف بين أصحابنا بدليل جواز صرفها إلى جنس واحد وإنما الخلاف بعد في كونهما جنسا واحدا أو جنسين في الوصايا اختلاف بين أصحابنا غير سديد بل لا خلاف بين أصحابنا في أنهما جنسان مختلفان فيهما جميعا لما ذكرنا والدليل عليه ان الله تعالى عطف البعض على البعض والعطف دليل المغايرة في الأصل وإنما جاز صرف الزكاة إلى صنف واحد لمعنى آخر وذلك المعنى لا يوجد في الوصية وهو دفع الحاجة وذا يحصل بالصرف إلى صنف واحد والوصية ما شرعت لدفع حاجة الموصى له فإنها تجوز للفقير والغنى وقد يكون للموصى اغراض كثيرة لا يوقف عليها فلا يمكن تعليل نص كلامه فتجرى على ظاهر لفظه من غير اعتبار المعنى بخلاف الزكاة فانا عقلنا المعنى فيها وهو دفع الحاجة وإزالة المسكنة وجميع الأصناف في هذا المعنى جنس واحد لذلك افترقا لا لما قالوه والله أعلم وأما العاملون عليها فهم الذين نصبهم الامام لجباية الصدقات واختلف فيما يعطون قال أصحابنا يعطيهم الامام كفايتهم منها وقال الشافعي يعطيهم الثمن وجه قوله إن الله تعالى قسم الصدقات على الأصناف الثمانية منهم العاملون عليها فكان لهم منها الثمن ولنا ان ما يستحقه العامل إنما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق الزكاة بدليل انه يعطى وإن كان غنيا بالاجماع ولو كان ذلك صدقة لما حلت للغنى وبدليل انه لو حمل زكاته بنفسه إلى الامام لا يستحق العامل منها شيئا ولهذا قال أصحابنا ان حق العامل فيما في يده من الصدقات حتى لو هلك ما في يده سقط حقه كنفقة المضارب انها تكون في مال المضاربة حتى لو هلك مال المضاربة سقطت نفقته كذا هذا دل انه إنما يستحق بعمله لكن على سبيل الكفاية له ولأعوانه لا على سبيل الأجرة لان الأجرة مجهولة اما عندنا فظاهر لان قدر الكفاية له ولا عوانه غير معلوم وكذا عنده لان قدر ما يجتمع من الصدقات بجبايته مجهول فكان ثمنه مجهولا لا محالة وجهالة أحد البدلين يمنع جواز الإجارة فجهالة البدلين جميعا أولى فدل أن الاستحقاق ليس على سبيل الأجرة بل على طريق الكفاية له ولا عوانه لاشتغاله بالعمل لأصحاب المواشي فكانت كفايته في مالهم واما قوله إن الله تعالى قسم الصدقات على الأصناف المذكورين في الآية فممنوع انه قسم بل بين فيها مواضع الصدقات ومصارفها لما نذكر ولو كان العامل هاشميا لا يحل له عندنا وعند الشافعي يحل واحتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله عنه إلى اليمن مصدقا وفرض له ولو لم يحل للهاشمي لما فرض له ولان العمالة أجرة العمل بدليل انها تحل للغنى فيستوي فيها الهاشمي وغيره ولنا ما روى أن نوفل بن الحارث بعث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم لا تحل لكما الصدقة ولا غسالة الناس ولان المال المجبى صدقة ولما حصل في يد الامام حصلت الصدقة مؤداة حتى لو هلك المال في يده تسقط الزكاة عن صاحبها وإذا حصلت صدقة والصدقة مطهرة لصاحبها فتمكن الخبث في المال فلا يباح للهاشمي لشرفه صيانة له عن تناول الخبث تعظيما لرسول الله صلى الله عليه مسلم أو نقول للعمالة شبهة الصدقة وانها من أوساخ الناس فيجب صيانة الهاشمي عن ذلك كرامة له وتعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى لا يوجد في الغنى وقد فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية والغنى لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل انه يباح له وإن كان غنيا ملكا فكذا هذا وقوله إن الذي يعطى للعامل أجرة عمله ممنوع وقد بينا فساده وأما حديث علي رضي الله عنه فلا حجة فيه لان فيه أنه فرض له وليس فيه بيان المفروض انه من الصدقات أو من غيرها فيحتمل انه فرض له من بيت المال لأنه كان قاضيا والله أعلم وأما المؤلفة قلوبهم فقد قيل إنهم كانوا قوما من رؤساء قريش وصناديد العرب مثل أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن الغزاري والعباس بن مرادس السلمي ومالك بن عوف
(٤٤)