ولا نظر في الحط على مهر المثل في إنكاح الصغيرة ولا في الزيادة على مهر المثل في إنكاح الصغير بل فيه ضرر بهما والاضرار لا يدخل تحت ولاية الولي ولهذا لا يملك غير الأب والجد كذا هذا ولأبي حنيفة ما روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه زوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسمائة درهم وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ومعلوم ان مهر مثلها كان أضعاف ذلك ولان الأب وافر الشفقة على ولده ينظر له مالا ينظر لنفسه والظاهر أنه لا يفعل ذلك الا لتوفير مقصود من مقاصد النكاح هو أنفع وأجدى من كثير المال من موافقة الأخلاق وحسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف ونحو ذلك من المعاني المقصودة بالنكاح فكان تصرفه والحالة هذه نظرا للصغير والصغيرة لا ضررا بهما بخلاف غير الأب والجد لان وجه الضرر في تصرفهما ظاهر وليس ثمة دليل يدل على اشتماله على المصلحة الباطنة الخفية التي تزيد على الضرر الظاهر لان ذلك إنما يعرف بوفور الشفقة ولم يوجد بخلاف ما إذا باع الأب أمة لهما بأقل من قيمتها بما لا يتغابن الناس فيه أنه لا يجوز لان البيع معاوضة المال بالمال والمقصود من المعاوضات المالية هو الوصول إلى العوض المالي ولم يوجد وبخلاف ما إذا زوج أمتهما بأقل من مهر مثلها أنه لا يجوز لأنه أنفع لهما فيما يحصل للأمة من حظ الزوج وإنما منفعتهما في حصول عوض بضع الأمة لهما وهو مهر المثل ولم يحصل وعلى هذا الخلاف التوكيل بأن وكل رجل رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأة بأكثر من مهر مثلها مقدار ما لا يتغابن الناس فيمثله أو وكلت امرأة رجلا بأن يزوجها من رجل فزوجها من رجل بدون صداق مثلها أو من غير كف ء فهو على اختلاف الوكيل بالبيع المطلق ونذكر المسألة إن شاء الله تعالى في كتاب الوكالة وعلى هذا الوكيل بالتزويج من جانب الرجل أو المرأة إذا زوج الموكل من لا تقبل شهادة الوكيل له فهو على الاختلاف في البيع ونذكر ذلك كله إن شاء الله تعالى في كتاب الوكالة وعلى هذا الخلاف الوكيل من جانب الرجل بالتزويج إذا زوجه أمة لغيره أنه يجوز عند أبي حنيفة لاطلاق اللفظ ولسقوط اعتبار الكفاءة من جانب النساء وعندهما لا يجوز لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وتعتبر الكفاءة من جانبين عندهما في مثل هذا الموضع لمكان العرف استحسانا على ما نذكر إن شاء الله تعالى في موضعه ولو أقر الأب على ابنته الصغيرة بالنكاح أو على ابنه الصغير لا يصدق في اقراره حتى يشهد شاهدان على نفس النكاح في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يصدق من غير شهود وصورة المسألة في موضعين أحدهما ان تدعى امرأة نكاح الصغير أو يدعى رجل نكاح الصغيرة والأب ينكر ذلك فيقيم المدعى بينة على اقرار الأب بالنكاح فعند أبي حنيفة لا تقبل هذه الشهادة حتى يشهد شاهدان على نفس العقد وعندهما تقبل ويظهر النكاح والثاني أن يدعى رجل نكاح الصغيرة أو امرأة نكاح الصغير بعد بلوغهما وهما منكران ذلك فأقام المدعى البينة على اقرار الأب بالنكاح في حال الصغر وعلى هذا الخلاف الوكيل بالنكاح إذا أقر على موكله أو على موكلته بالنكاح والمولى إذا أقر على عبده بالنكاح أنه لا يقبل عند أبي حنيفة وعندهما يقبل وأجمعوا على أن المولى إذا أقر على أمته بالنكاح أنه يصدق من غير شهادة (وجه) قولهما أنه ان أقر بعقد يملك انشاءه فيصدق فيه من غير شهود كما لو أقر بتزويج أمته ولا شك أنه أقر بعقد يملك انشاءه لأنه يملك انشاء النكاح على الصغير والصغيرة والعبد ونحو ذلك وإذا ملك انشاءه لم يكن متهما في الاقرار فيصدق كالمولى إذا أقر بالفئ في مدة الايلاء وزوج المعتدة إذا قال في العدة راجعتك لما قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بشهود نفى النكاح بغير شهود من غير فصل بين الانعقاد والظهور بل الحمل على الظهور أولى لان فيه عملا بحقيقة اسم الشاهد إذ هو اسم لفاعل الشهادة وهو المؤدى لها والحاجة إلى الأداء عند الظهور لا عند الانعقاد ولأنه أقر على الغير فيما لا يملكه بعقد لا يتم به وحده وإنما يتم به وبشهادة الآخرين فلا يصدق الا بمساعدة آخرين قياسا على الوكلاء الثلاثة في النكاح والبيع
(٢٤٦)