ولا يشترط فيه رضا المتصرف فيه كما في البيع والإجارة وسائر التصرفات ولان العبد ملكه بجميع أجزائه مطلقا لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم ولكل مالك ولاية التصرف في ملكه إذا كان التصرف مصلحة وانكاح العبد مصلحة في حقه لما فيه من صيانة ملكه عن النقصان بواسطة الصيانة عن الزنا وقوله منافع البضع غير مملوكة لسيده ممنوع بل هي مملوكة الا أن مولاها إذا كانت أمة منعت من استيفائها لما فيه من الفساد وهذا لا يمنع ثبوت الملك كالجارية المجوسية والأخت من الرضاعة انه يمنع المولى من الاستمتاع بهما مع قيام الملك كذا هذا والملك المطلق لم يوجد في المكاتب لزوال ملك اليد بالكتابة حتى كان أحق بالكتابة ولهذا لم يدخل تحت مطلق اسم المملوك في قوله كل مملوك لي فهو حر الا بالنية فقيام ملك الرقبة ان اقتضى ثبوت الولاية فانعدام ملك اليد يمنع من الثبوت فلا تثبت الولاية بالشك ولان في التزويج من غير رضا المكاتب ضررا لان المولى بعقد الكتابة جعله أحق بمكاسبه ليتوصل بها إلى شرف الحرية فالتزويج من غير رضاه يوجب تعلق المهر والنفقة بكسبه فلا يصل إلى الحرية فيتضرر به بشرط رضاه دفعا للضرر عنه وقوله لا فائدة في هذا النكاح ممنوع فان في طبع كل فحل التوقان إلى النساء فالظاهر هو قضاء الشهوة خصوصا عند عدم المانع وهو الحرمة وكذا الظاهر من حال العبد الامتناع من بعض تصرف المولى احتراما له فيبقى النكاح فيفيد فائدة تامة والله الموفق وأما ولاية القرابة فسبب ثبوتها هو أصل القرابة وذاتها لا كمال القربة وإنما الكمال شرط التقدم على ما نذكر وهذا عند أصحابنا وعند الشافعي السبب هو القرابة القريبة وهي قرابة الولاد وعلى هذا يبنى أن لغير الأب والجد كالأخ والعم ولاية الانكاح عندنا خلافا له واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر وحقيقة اسم اليتيمة للصغيرة لغة قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتم بعد الحلم نهى صلى الله عليه وسلم عن إنكاح اليتيمة ومده إلى غاية الاستئمار ولا تصير أهلا للاستئمار الا بعد البلوغ فيتضمن البلوغ كأنه قال صلى الله عليه وسلم حتى تبلغ وتستأمر ولان النكاح عقد اضرارا في جانب النساء لما ذكر إن شاء الله تعالى في مثله انكاح البنت البالغة ومثل هذا التصرف لا يدخل تحت ولاية المولى كالطلاق والعتاق والهبة وغيرهما الا انه تثبت الولاية للأب والجد بالنص والاجماع لكمال شفقتهما وشفقة غير الأب والجد قاصرة وقد ظهر أثر القصور في سلب ولاية التصرف في الحال بالاجماع وسلب ولاية اللزوم عندكم فتعذر الالحاق ولنا قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم هذا خطاب لعامة المؤمنين لأنه بنى على قوله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ثم خص منه الأجانب فبقيت الأقارب تحته الا من خص بدليل ولان سبب ولاية التنفيذ في الأب والجد هو مطلق القرابة لا القرابة القريبة وإنما قرب القرابة سبب زيادة الولاية وهي ولاية الالزام لان مطلق القرابة حاصل على أصل الشفقة أعني به شفقة زائدة على شفقة الجنس وشفقة الاسلام وهي داعية إلى تحصيل النظر في حق المولى عليه وشرطها عجز المولى عليه عن تحصيل النظر بنفسه مع حاجته إلى التحصيل لان مصالح النكاح مضمنة تحت الكفاءة والكلف ء عزيز الوجود فيحتاج إلى احرازه للحال لاستيفاء مصالح النكاح بعد البلوغ وفائدتها وقوعها وسيلة إلى ما وضع النكاح له وكل ذلك موجود في إنكاح الأخ والعم فينفذ الا أنه لم يلزم تصرفه لانعدام شرط اللزوم وهو قرب القرابة ولم تثبت له ولاية التصرف في المال لعدم الفائدة لأنه لا سبيل إلى القول باللزوم لان قرابة غير الأب والجد ليست بملزمة ولا سبيل إلى التولي بالنفاذ بدون اللزوم لأنه لا يفيد إذ المقصود من التصرف في المال وهو الربح لا يحصل الا بتكرار التجارة ولا يحصل ذلك مع عدم اللزوم لأنه إذا اشترى شيئا يحتاج إلى أن يمسكه إلى وقت البلوغ فلا يحصل المقصود فسقطت ولاية التصرف في المال بطريق الضرورة وهذه الضرورة منعدمة في ولاية الانكاح فثبتت ولاية الانكاح وأما الحديث فالمراد منه اليتيمة البالغة بدلالة الاستئمار وهذا وإن كان مجازا لكن فيما ذكره
(٢٣٨)