ألا ترى أنها عطفت على الحجة في الآية والشئ لا يعطف على نفسه في الأصل ويقال حج فلان وما اعتمر على أن وصفها بالصغر دليل انحطاط رتبتها عن الحج فإذا كان الحج فرضا فيجب أن تكون هي واجبة ليظهر الانحطاط إذ الواجب دون الفرض واطلاق اسم التطوع عليها في الحديث يصلح حجة على الشافعي لا علينا لأنه يقول بفرضية العمرة والتطوع لا يحتمل أن يكون فرضا ونحن نقول بوجوب العمرة والواجب ما يحتمل أن يكون فرضا ويحتمل أن يكون تطوعا فكان اطلاق اسم التطوع صحيحا على أحد الاحتمالين وليس للفرض هذا الاحتمال فلا يصح الاطلاق وقول السائل في الحديث السابق أهي واجبة محمول على الفرض إذ هو الواجب على الاطلاق عملا واعتقادا عينا فقول النبي صلى الله عليه وسلم لا نفى له وبه نقول (وأما) شرائط وجوبها فهي شرائط وجوب الحج لان الواجب ملحق بالفرض في حق الأحكام وقد ذكرنا ذلك في فصل الحج (وأما) ركنها فالطواف لقوله عز وجل وليطوفوا بالبيت العتيق ولاجماع الأمة عليه (وأما) شرائط الركن فما ذكرنا في الحج الا الوقت فان السنة كلها وقت العمرة وتجوز في غير أشهر الحج وفى أشهر الحج لكنه يكره فعلها في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق أما الجواز في الأوقات كلها فلقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله مطلقا عن الوقت وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الا شهدتها وما اعتمر الا في ذي القعدة وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر مع طائفة من أهله في عشر ذي الحجة فدل الحديثان على أن جوازها في أشهر الحج وما روى عن عمر رضي الله عنه انه كان ينهى عنها في أشهر الحج فهو محمول على نهى الشفقة على أهل الحرم لئلا يكون الموسم في وقت واحد من السنة بل في وقتين لتوسع المعيشة على أهل الحرم الا أنه يكره في الأيام الخمسة عندنا في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه لا يكره يوم عرفة قبل الزوال وقال الشافعي لا يكره في هذه الأيام أيضا واحتج بما تلونا من هذه الآية وبما روينا من الحديثين لأنه دخل يوم عرفة ويوم النحر فيها (وجه) رواية أبى يوسف ان ما قبل الزوال من يوم عرفة ليس وقت الوقوف فلا يشغله عن الوقوف في وقته ولنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وقت العمرة السنة كلها الا يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق والظاهر أنها قالت سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه باب لا يدرك بالاجتهاد ولأن هذه الأيام أيام شغل الحاج بأداء الحج والعمرة فيها تشغلهم عن ذلك وربما يقع الخلل فيه فيكره ولا حجة له فيما ذكر لان ذلك يدل على الجواز وبه نقول وإنما الكلام في الكراهة والجواز لا ينفيها وقد قام دليل الكراهة وهو ما ذكرنا وكذا يختلفان في الميقات في حق أهل مكة فميقاتهم للحج من دويرة أهلهم وللعمرة من الحل التنعيم أو غيره ومحظورات العمرة ما هو محظورات الحج وحكم ارتكابها في العمرة ما هو الحكم في الحج وقد مضى بيان ذلك كله في الحج (وأما) واجباتها فشيئان السعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير فاما طواف الصدر فلا يجب على المعتمر وقال الحسن بن زياد يجب عليه كذا ذكر الكرخي وجه قوله إن طواف الصدر طواف الوداع والمعتمر يحتاج إلى الوداع كالحاج ولنا أن الشرع علق طواف الصدر بالحج بقول النبي صلى الله عليه وسلم من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف (وأما) سننها فما ذكرنا في الحج غير أنه إذا استلم الحجر يقطع التلبية عند أول شوط من الطواف عند عامة العلماء وقال مالك إن كان احرامه للعمرة من المدينة يقطع التلبية إذا دخل الحرم وإن كان احرامه لها من مكة يقطع إذا وقع بصره على البيت والصحيح قول العامة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبى في العمرة حتى يستلم الحجر وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر في ذي القعدة وكان يلبى في ذلك حتى يستلم الحجر ولان استلام الحجر نسك ودخول الحرم ووقوع البصر على البيت ليس بنسك فقطع التلبية عندما هو نسك أولى ولهذا يقطع التلبية في الحج عند الرمي لأنه نسك كذا هذا والله أعلم
(٢٢٧)