الله عليه وسلم علم غرض السائل ومراده انه طلب منه بيان ما لا يلبسه المحرم بعد احرامه اما بقرينة حاله أو بدليل آخر أو بالوحي فأجاب عما في ضميره من غرضه ومقصوده ونظيره قوله تعالى خبرا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر فاجابه الله عز وجل بقوله ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه عز وجل أن يرزق من آمن أهل مكة من الثمرات فاجابه تعالى أنه يرزق الكافر أيضا لما علم أن مراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام من سؤاله أن يرزق ذلك المؤمن منهم دون الكافر فأجابه الله تعالى عما كان في ضميره كذا هذا والثالث أنه لما خص المخيط أنه لا يلبسه المحرم بعد تقدم السؤال عما يلبسه دل أن الحكم في غير المخيط بخلافه والتنصيص على حكم في مذكور إنما لا يدل على تخصيص ذلك الحكم به بشرائط ثلاثة أحدها ان لا يكون فيه حيد عن الجواب ممن لا يجوز عليه الحيد فاما إذا كان فإنه يدل عليه صيانة لمنصب النبي صلى الله عليه وسلم عن الحيد عن الجواب عن السؤال والثاني من المحتمل أن يكون حكم غير المذكور خلاف حكم المذكور وههنا لا يحتمل لأنه يقتضى أن لا يلبس المحرم أصلا وفيه تعريضه للهلاك بالحر أو البرد والعقل يمنع من ذلك فكان المنع من أحد النوعين في مثله اطلاقا للنوع الآخر ونظيره قوله تعالى الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه أن جعل الليل للسكون يدل على جعل النهار للكسب وطلب المعاش إذ لا بد من الفوت للبقاء وكان جعل الليل للسكون تعيينا للنهار لطلب المعاش والثالث أن يكون ذلك في غير الامر والنهى فاما في الامر والنهى فيدل عليه لما قد صح من مذهب أصحابنا أن الامر بالشئ نهى عن ضده والنهى عن الشئ أمر بضده والتنصيص ههنا في محل النهى فكان ذلك دليلا على أن الحكم في غير المخيط بخلافه والله عز وجل الموفق ولان لبس المخيط من باب الارتفاق بمرافق المقيمين والترفه في اللبس وحال المحرم ينافيه ولان الحاج في حال احرامه يريد أن يتوسل بسوء حاله إلى مولاه يستعطف نظره ومرحمته بمنزلة العبد المسخوط عليه في الشاهد أنه يتعرض بسوء حاله لعطف سيده ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم المحرم الأشعث الأغبر وإنما يمنع المحرم من لبس المخيط إذا لبسه على الوجه المعتاد فاما إذا لبسه لا على الوجه المعتاد فلا يمنع منه بان اتشح بالقميص أو اتزر بالسراويل لان معنى الارتفاق بمرافق المقيمين والترفه في اللبس لا يحصل به ولان لبس القميص والسراويل على هذا الوجه في معنى الارتداء والاتزار لأنه يحتاج في حفظه إلى تكلف كما يحتاج إلى التكلف في حفظ الرداء والإزار وذا غير ممنوع عنه ولو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في كميه جاز له ذلك في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يجوز وجه قوله إن هذا لبس المخيط إذ اللبس هو التغطية وفيه تغطية أعضاء كثيرة بالمخيط من المنكبين والظهر وغيرها فيمنع من ذلك كادخال اليدين في الكمين ولنا أن الممنوع عنه هو اللبس المعتاد وذلك في القباء الالقاء على المنكبين مع ادخال اليدين في الكمين ولان الارتفاق بمرافق المقيمين والترفه في اللبس لا يحصل الا به ولم يوجد فلا يمنع منه ولان القاء القباء على المنكبين دون ادخال اليدين في الكمين يشبه الارتداء والاتزار لأنه يحتاج إلى حفظه عليه لئلا يسقط إلى تكلف كما يحتاج إلى ذلك في الرداء والإزار وهو لم يمنع من ذلك كذا هذا بخلاف ما إذا أدخل يديه في كميه لان ذلك لبس معتاد يحصل به الارتفاق به والترفه في اللبس ويقع به الامن عن السقوط ولو القاء على منكبيه وزره لا يجوز لأنه إذا زره فقد ترفه في لبس المخيط الا ترى انه لا يحتاج في حفظه إلى تكلف ولو لم يجد رداء وله قميص فلا بأس بان يشق قميصه ويرتدى به لأنه لما شقه صار بمنزلة الرداء وكذا إذا لم يجد إزارا وله سراويل فلا بأس ان يفتق سراويله خلا موضع التكة ويأتزر به لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار وكذا إذا لم يجد نعلين وله خفان فلا بأس ان يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما لحديث ابن عمر رضي الله عنه ورخص بعض مشايخنا المتأخرون لبس الصندلة قياسا على الخف المقطوع لأنه في معناه وكذا لبس الميثم لما قلنا ولا يلبس الجوربين لأنهما في معنى الخفين ولا يغطى رأسه بالعمامة ولا غيرها مما يقصد به التغطية لان المحرم ممنوع عن تغطية رأسه بما يقصد به التغطية والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في
(١٨٤)