الا بمكة نظرا لأهل مكة لأنهم ينتفعون به ولهذا لم يجز الدم الا بمكة ولنا ان نص الصدقة مطلق عن المكان فيجرى على اطلاقه والقياس على الدم بمعنى الانتفاع فاسد لما ذكرنا في الاحصار وإنما عرف اختصاص جواز الذبح بمكة بالنص وهو قوله تعالى حتى يبلغ الهدى محله ولم يوجد مثله في الصدقة وقد ذكرنا ان المحرم إذا لم يجد الإزار وأمكنه فتق السراويل والتستر به فتقه فان لبسه يوما ولم يفتقه فعليه دم في قول أصحابنا وقال الشافعي يلبسه ولا شئ عليه وجه قوله إن الكفارة إنما تجب بلبس محظور ولبس السراويل في هذه الحالة ليس بمحظور لأنه لا يمكنه لبس غير المخيط الا بالفتق وفى الفتق تنقيص ماله ولنا ان حظر لبس المخيط ثبت بعقد الاحرام ويمكنه التستر بغير المخيط في هذه الحالة بالفتق فيجب عليه الفتق والستر بالمفتوق أولى فإذا لم يفعل فقد ارتكب محظور احرامه يوما كاملا فيلزمه الدم وقوله في الفتق تنقيص ماله مسلم لكن لإقامة حق الله تعالى وانه جائز كالزكاة وقطع الخفين أسفل من الكعبين إذا لم يجد النعلين ويستوى في وجوب الكفارة بلبس المخيط العمد والسهو والطوع والكره عندنا وقال الشافعي لا شئ على الناسي والمكره ويستوى أيضا ما إذا لبس بنفسه أو ألبسه غيره وهو لا يعلم به عندنا خلافا له وجه قوله إن الكفارة إنما تجب بارتكاب محظور الاحرام لكونه جناية ولا حظر مع النسيان والاكراه فلا يوصف فعله بالجناية فلا تجب الكفارة ولهذا جعل النسيان عذرا في باب الصوم بالاجماع والاكراه عندي ولنا ان الكفارة إنما تجب في حال الذكر والطوع لوجود ارتفاق كامل وهذا يوجد في حال الكره والسهو وقوله فعل الناسي والمكره لا يوصف بالحظر ممنوع بل الحظر قائم حالة النسيان والاكراه وفعل الناسي والمكره موصوف بكونه جناية وإنما أثر النسيان والاكراه في ارتفاع المؤاخذة في الآخرة لان فعل الناسي والمكره جائز المؤاخذة عليه عقلا عندنا وإنما رفعت المؤاخذة شرعا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا وقوله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه والاعتبار بالصوم غير سديد لان في الاحرام أحوالا مذكرة يندر النسيان معها غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم ولا مذكر للصوم فجعل عذرا دفعا للحرج ولهذا لم يجعل عذرا في باب الصلاة لان أحوال الصلاة مذكرة كذا هذا ولو جمع المحرم اللباس كله القميص والعمامة والخفين لزمه دم واحد لأنه لبس واحد وقع على جهة واحدة فيكفيه كفارة واحدة كالايلاجات في الجماع ولو اضطر المحرم إلى لبس ثوب فلبس ثوبين فان لبسهما على موضع الضرورة فعليه كفارة واحدة وهي كفارة الضرورة بان اضطر إلى قميص واحد فلبس قميصين أو قميصا وجبة أو اضطر إلى القلنسوة فلبس قلنسوة وعمامة لان اللبس حصل على وجه واحد فيوجب كفارة واحدة كما إذا اضطر إلى لبس قميص فلبس جبة وان لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة وغير موضع الضرورة كما إذا اضطر إلى لبس العمامة أو القلنسوة فلبسهما مع القميص أو غير ذلك فعليه كفارتان كفارة الضرورة للبسه ما يحتاج إليه وكفارة الاختيار للبسه مالا يحتاج إليه ولو لبس ثوبا للضرورة ثم زالت الضرورة فدام على ذلك يوما أو يومين فما دام في شك من زوال الضرورة لا يجب عليه الا كفارة واحدة كفارة الضرورة وان تيقن بان الضرورة قد زالت فعليه كفارتان كفارة ضرورة وكفارة اختيار لان الضرورة كانت ثابتة بيقين فلا يحكم بزوالها بالشك على الأصل المعهود ان الثابت يقينا لا يزال بالشك وإذا كان كذلك فاللبس الثاني وقع على الوجه الذي وقع عليه الأول فكان لبسا واحدا فيوجب كفارة واحدة وإذا استيقن بزوال الضرورة فاللبس الثاني حصل على غير الوجه الذي حصل عليه الأول فيوجب عليه كفارة أخرى ونظير هذا ما إذا كان به قرح أو جرح اضطر إلى مداواته بالطيب انه ما دام باقيا فعليه كفارة واحدة وإن كان تكرر عليه الدواء لان الضرورة باقية فوقع الكل على وجه واحد ولو برأ ذلك القرح أو الجرح وحدث قرح آخر أو جراحة أخرى فداوها بالطيب يلزمه كفارة أخرى لان الضرورة قد زالت فوقع الثاني على غير الوجه الأول وكذا المحرم إذا مرض أو أصابته الحمى وهو يحتاج إلى لبس الثوب في وقت ويستغنى عنه في وقت الحمى فعليه كفارة واحدة ما لم تزل عنه تلك العلة لحصول اللبس على جهة واحدة ولو زالت عنه تلك
(١٨٨)