بأذانين وإقامة واحدة احتج زفر بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامتين ولان هذا أحد نوعي الجمع فيعتبر بالنوع الآخر وهو الجمع بعرفة والجمع هناك بأذان واحد وإقامتين كذا ههنا ولنا ما روى عن عبد الله بن عمر وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذان واحد وإقامة واحدة وما احتج به زفر محمول على الأذان والإقامة فيسمى الاذان إقامة كما يقال سنة العمرين ويراد به سنة أبى بكر وعمر رضي الله عنهما وقال صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة لمن شاء الا المغرب وأراد به الأذان والإقامة كذا ههنا والقياس على الجمع الا آخر غير سديد لان هناك الصلاة الثانية وهي العصر تؤدى في غير وقتها فتقع الحاجة إلى إقامة أخرى للاعلام بالشروع فيها والصلاة الثانية ههنا وهي العشاء تؤدى في وقتها فيستغنى عن تجديد الاعلام كالوتر مع العشاء ولا يتشاغل بينهما بتطوع ولا بغيره لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتشاغل بينهما بتطوع ولا بغيره فان تطوع بينهما أو تشاغل بشئ أعاد الإقامة للعشاء لأنها انقطعت عن الاعلام الأول فاحتاجت إلى اعلام آخر فان صلى المغرب وحده والعشاء وحده أجزأه بخلاف الظهر والعصر بعرفة على قول أبي حنيفة أنه لا يجوز الا بجماعة عنده والفرق له أن المغرب تؤدى فيما هو وقتها في الجملة ان لم يكن وقت أدائها فكان الجمع ههنا بتأخير المغرب عن وقت أدائها فيجوز فعلها وحده كما لو تأخرت عنه بسبب آخر فقضاه في وقت العشاء وحده والعصر هناك تؤدى فيما ليس وقتها أصلا ورأسا فلا يجوز إذ لا جواز للصلاة قبل وقتها وإنما عرفنا جوازها بالشرع وإنما ورد الشرع بها بجماعة فيتبع مورد الشرع والأفضل أن يصليهما مع الامام بجماعة لان الصلاة بجماعة أفضل ولو صلى المغرب بعد غروب الشمس قبل أن يأتي مزدلفة فإن كان يمكنه أن يأتي مزدلفة قبل طلوع الفجر لم تجز صلاته وعليه اعادتها ما لم يطلع الفجر في قول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وقال أبو يوسف تجزئه وقد أساء وعلى هذا الخلاف إذا صلى العشاء في الطريق بعد دخول وقتها وجه قوله أنه أدى المغرب والعشاء في وقتيهما لأنه ثبت كون هذا الوقت وقتا لهما بالكتاب العزيز والسنن المشهورة المطلقة عن المكان على ما ذكرنا في كتاب الصلاة فيجوز كما لو أداها في غير ليلة المزدلفة الا أن التأخير سنة وترك السنة لا يسلب الجواز بل يوجب الإساءة ولهما ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع من عرفات وكان أسامة بن زيد رضي الله عنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلما بلغ الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال المصلى امامك فجاء مزدلفة فتوضأ فاسبغ الوضوء فدل الحديث على اختصاص جوازها في حال الاختيار والامكان بزمان ومكان وهو وقت العشاء بمزدلفة ولم يوجد فلا يجوز ويؤمر بالإعادة في وقتها ومكانها ما دام الوقت قائما فإن لم يعد حتى طلع الفجر أعاد إلى الجواز عندهما أيضا لان الكتاب الكريم والسنن المشهورة تقتضي الجواز لأنها تقتضي كون الوقت وقتا لها وانها مطلقة عن المكان وحديث أسامة رضي الله عنه يقتضى عدم الجواز وانه من أخبار الآحاد ولا يجوز العمل بخبر الواحد على وجه يتضمن بطلان العمل بالكتاب والسنن المشهورة فيجمع بينهما فيعمل بخبر الواحد فيما قبل طلوع الفجر ويؤمر بالإعادة ويعمل بالكتاب العزيز والسنن المشهورة فيما بعد طلوعه فلا نأمره بالإعادة عملا بالدلائل بقدر الامكان هذا إذا كان يمكنه أن يأتي مزدلفة قبل طلوع الفجر فاما إذا خشي أن يطلع الفجر قبل أن يصل إلى مزدلفة لأجل ضيق الوقت بأن كان في آخر الليل بحيث يطلع الفجر قبل أن يأتي مزدلفة فإنه يجوز بلا خلاف هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة لان بطلوع الفجر يفوت وقت الجمع فكان في تقديم الصلاة صيانتها عن الفوات فإن كان لا يخشى الفوات لأجل ضيق الوقت ولكنه ضل عن الطريق لا يصلى بل يؤخر إلى أن يخاف طلوع الفجر لو لم يصل فعند ذلك يصلى لما ذكرنا والله الموفق ويبيت ليلة المزدلفة بمزدلفة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بها فان مر بها مارا بعد طلوع الفجر من غير أن يبيت بها فلا شئ عليه ويكون مسيئا وإنما لا يلزمه شئ لأنه
(١٥٥)