هذه صلاة الظهر والعصر لأنا نقول نعم لكن نقدم عليها الخطبة فيكون وقت الاذان بعدما صعد الامام المنبر للخطبة كما في خطبة الجمعة فإذا فرغ المؤذنون من الاذان قام الامام وخطب خطبتين قائما يفصل بينهما بجلسة خفيفة كما يفصل في خطبة الجمعة وصفة الخطبة هي ان يحمد الله تعالى ويثنى عليه ويكبر ويهلل ويعظ الناس فيأمرهم بما أمرهم الله عز وجل وينهاهم عما نهاهم الله عنه ويعلمهم مناسك الحج لان الخطبة في الأصل وضعت لما ذكرنا من الحمد والثناء والتهليل والتكبير والوعظ والتذكير ويزاد في هذه الخطبة تعليم معالم الحج لحاجة الحجاج إلى ذلك ليتعلموا الوقوف بعرفة والإفاضة منها والوقوف بمزدلفة فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذنون فصلى الامام بهم صلاة الظهر ثم يقوم المؤذنون فيقيمون للعصر فيصلى بهم الظهر والعصر باذان واحد وإقامتين ولا يشتغل الامام والقوم بالسنن والتطوع فيما بينهما لان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بعرفة يوم عرفة باذان واحد وإقامتين ولم يتنفل قبلهما ولا بعدهما مع حرصه على النوافل فان اشتغلوا فيما بينهما بتطوع أو غيره أعادوا الاذان للعصر لان الأصل ان يؤذن لكل مكتوبة وإنما عرف ترك الاذان بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وانه لم يشتغل فيما بين الظهر والعصر بالتطوع ولا بغيره فبقي الامر عند الاشتغال على الأصل ويخفى الامام القراءة فيهما بخلاف الجمعة والعيدين فإنه يجهر فيهما بالقراءة لان الجهر بالقراءة هناك من الشعائر والسبيل في الشعائر اشهارها وفى الجهر زيادة اشهار فشرعت تلك الصلاة كذلك فأما الظهر والعصر فهما على حالهما لم يتغيرا لأنهما كظهر سائر الأيام وعصر سائر الأيام والحادث ليس الا اجتماع الناس واجتماعهم للوقوف لا للصلاة وإنما اجتماعهم في حق الصلاة حصل اتفاقا ثم إن كان الامام مقيما من أهل مكة يتم كل واحدة من الصلاتين أربعا أربعا والقوم يتمون معه وإن كانوا مسافرين لان المسافر إذا اقتدى بالمقيم في الوقت يلزمه الاتمام لأنه بالاقتداء بالامام صار تابعا له في هذه الصلاة وإن كان الامام مسافرا يصلى كل واحدة من الصلاتين ركعتين ركعتين فإذا سلم يقول لهم أتموا صلاتكم يا أهل مكة فانا قوم سفر ثم لجواز الجمع أعني تقديم العصر على وقتها وأداءها في وقت الظهر شرائط بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه أما المتفق عليه فهو شرطان أحدهما أن يكون أداؤها عقيب الظهر لا يجوز تقديمها عليها لأنها شرعت مرتبة على الظهر فلا يسقط الترتيب الا بأسباب مسقطة ولم توجد فلا تسقط فلزم مراعاة الترتيب والثاني أن تكون مرتبة على ظهر جائزة استحسانا حتى لو صلى الامام بالناس الظهر والعصر في يوم غيم ثم استبان لهم أن الظهر وقعت قبل الزوال والعصر بعد الزوال فعليهم إعادة الظهر والعصر جميعا استحسانا والقياس أن لا يكون هذا شرطا وليس عليه الا إعادة الظهر وجه القياس الاعتبار بسائر الأيام فإنه إذا صلى العصر في سائر الأيام على ظن أنه صلى الظهر ثم تبين أنه لم يصلها يعيد الظهر خاصة كذا ههنا والجامع أنه صلى العصر على ظن أنه ليس عليه الا إعادة الظهر فأشبه الناسي والنسيان عذر مسقط للترتيب وجه الاستحسان أن العصر مؤداة قبل وقتها حقيقة فالأصل أن لا يجوز أداء العبادة المؤقتة قبل وقتها وإنما عرفنا جوازها بالنص مرتبة على ظهر جائزة فإذا لم تجز بقي الامر فيها على الأصل وأما المختلف فيه فمنها أن يكون أداء الصلاتين بالجماعة عند أبي حنيفة حتى لو صلى العصر وحده أو الظهر وحده لا تجوز العصر قبل وقتها عنده وعند أبي يوسف ومحمد هذا ليس بشرط ويجوز تقديمها على وقتها وجه قولهما أن جواز التقديم لصيانة الوقوف بعرفة لان أداء العصر في وقتها يحول بينه وبين الوقوف وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين الوحدان والجماعة ولأبي حنيفة أن الجواز ثبت معدولا به عن الأصل لأنها عبادة مؤقتة والعبادات المؤقتة لا يجوز تقديمها على أوقاتها الا أن جواز تقديم العصر على وقتها ثبت بالنص غير معقول المعنى فيراعى فيه عين ما ورد به النص والنص ورد بجواز أداء العصر كاملا مرتبا على ظهر كامل وهي المؤداة بالجماعة والمؤداة لا بجماعة لا تساويها في الفضيلة فلا يكون في معنى المنصوص عليه وقولهما ان الجواز ثبت لصيانة الوقوف ممنوع ولا يجوز أن يكون معلولا به لان الصلاة لا تنافى الوقوف لأنها في نفسها وقوف والشئ لا ينافي نفسه وإنما ثبت نصا غير معقول المعنى فيتبع فيه مورد النص وهو ما ذكرنا ولم يوجد ولو أدرك
(١٥٢)