الزكاة على نحو الكلام في المال العين إذا كان زائدا على قدر النصاب وحال عليه الحول فعند أبي حنيفة لا شئ في الزيادة هناك ما لم يكن أربعين درهما فههنا أيضا لا يخرج شيئا من زكاة المقبوض ما لم يبلغ المقبوض أربعين درهما فيخرج من كل أربعين درهما يقبضها درهما وعندهما يخرج قدر ما قبض قل المقبوض أو كثر كما في المال العين إذا كان زائدا على النصاب وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى وذكر الكرخي ان هذا إذا لم يكن له مال سوى الدين فاما إذا كان له مال سوى الدين فما قبض منه فهو بمنزلة المستفاد فيضم إلى ما عنده والله أعلم (ومنها) كون المال ناميا لان معنى الزكاة وهو النماء لا يحصل الا من المال النامي ولسنا نعنى به حقيقة النماء لان ذلك غير معتبر وإنما نعنى به كون المال معدا للاستنماء بالتجارة أو بالأسامة لان الأسامة سبب لحصول الدر والنسل والسمن والتجارة سبب لحصول الربح فيقام السبب مقام المسبب وتعلق الحكم به كالسفر مع المشقة والنكاح مع الوطئ والنوم مع الحدث ونحو ذلك وان شئت قلت ومنها كون المال فاضلا عن الحاجة الأصلية لان به يتحقق الغنا ومعنى النعمة وهو التنعم وبه يحصل الأداء عن طيب النفس إذ المال المحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيا عنه ولا يكون نعمة إذ التنعم لا يحصل بالقدر المحتاج إليه حاجة أصلية لأنه من ضرورات حاجة البقاء وقوام البدن فكان شكره شكر نعمة البدن ولا يحصل الأداء عن طيب نفس فلا يقع الأداء بالجهة المأمور بها لقوله صلى الله عليه وسلم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم فلا تقع زكاة إذ حقيقة الحاجة أمر باطن لا يوقف عليه فلا يعرف الفضل عن الحاجة فيقام دليل الفضل عن الحاجة مقامه وهو الاعداد للأسامة والتجارة وهذا قول عامة العلماء وقال مالك هذا ليس بشرط لوجوب الزكاة وتجب الزكاة في كل مال سواء كان ناميا فاضلا عن الحاجة الأصلية أو لا كثياب البذلة والمهنة والعلوفة والحمولة والعمولة من المواشي وعبيد الخدمة والمسكن والمراكب وكسوة الأهل وطعامهم وما يتجمل به من آنية أو لؤلؤ أو فرش ومتاع لم ينو به التجارة ونحو ذلك واحتج بعمومات الزكاة من غير فصل بين مال ومال نحو قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وقوله عز وجل وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم وقوله تعالى وآتوا الزكاة وغير ذلك ولأنها وجبت شكر النعمة المال ومعنى النعمة في هذه الأموال أتم وأقرب لأنها متعلق البقاء فكانت أدعى إلى الشكر ولنا أن معنى النماء والفضل عن الحاجة الأصلية لابد منه لوجوب الزكاة لما ذكرنا من الدلائل ولا يتحقق ذلك في هذه الأموال وبه تبين أن المراد من العمومات الأموال النامية الفاضلة عن الحوائج الأصلية وقد خرج الجواب عن قوله إنها نعمة لما ذكرنا أن معنى النعمة فيها يرجع إلى البدن لأنها تدفع الحاجة الضرورية وهي حاجة دفع الهلاك عن البدن فكانت تابعة لنعمة البدن فكان شكرها شكر نعمة البدن وهي العبادات البدنية من الصلاة والصوم وغير ذلك وقوله تعالى وآتوا الزكاة دليلنا لان الزكاة عبارة عن النماء وذلك من المال النامي على التفسير الذي ذكرناه وهو أن يكون معدا للاستنماء وذلك بالاعداد للاسامة في المواشي والتجارة في أموال التجارة الا ان الاعداد للتجارة في الأثمان المطلقة من الذهب والفضة ثابت بأصل الخلقة لأنها لا تصلح للانتفاع بأعيانها في دفع الحوائج الأصلية فلا حاجة إلى الاعداد من العبد للتجارة بالنية إذ النية للتعيين وهي متعينة للتجارة بأصل الخلقة فلا حاجة إلى التعيين بالنبة فتجب الزكاة فيها نوى التجارة أو لم ينو أصلا أو نوى النفقة وأما فيما سوى الأثمان من العروض فإنما يكون الاعداد فيها للتجارة بالنية لأنها كما تصلح للتجارة تصلح للانتفاع بأعيانها بل المقصود الأصلي منها ذلك فلا بد من التعيين للتجارة وذلك بالنية وكذا في المواشي لابد فيها من نية الاسامة لأنها كما تصلح للدر والنسل تصلح للحمل والركوب واللحم فلا بد من النية ثم نية التجارة والاسامة لا تعتبر ما لم تتصل بفعل التجارة والاسامة لان مجرد النية لا عبرة به في الأحكام لقول النبي صلى الله عليه وسلم ان الله عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا به أو يفعلوا ثم نية التجارة قد تكون صريحا وقد تكون دلالة أما الصريح فهو ان ينوى عند عقد التجارة أن يكون المملوك به للتجارة بان اشترى سلعة ونوى أن تكون للتجارة عند الشراء فتصبر للتجارة سواء كان الثمن الذي اشتراها به من الأثمان المطلقة أو من عروض التجارة أو مال البذلة والمهنة أو أجر داره بعرض بنية
(١١)