المودع فإن كان المدفوع إليه من معارفه فعليه الزكاة لما مضى إذا تذكر لان نسيان المعروف نادر فكان طريق الوصول قائما وإن كان ممن لا يعرفه فلا زكاة عليه فيما مضى لتعذر الوصول إليه ولا زكاة في دين الكتابة والدية على العاقلة لان دين الكتابة ليس بدين حقيقة لأنه لا يجب للمولى على عبده دين فلهذا لم تصح الكفالة به والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم إذ هو ملك المولى من وجه وملك المكاتب من وجه لان المكاتب في اكتسابه كالحر فلم يكن بدل الكتابة ملك المولى مطلقا بل كان ناقصا وكذا الدية على العاقلة ملك ولى القتيل فيها متزلزل بدليل انه لو مات واحد من العاقلة سقط ما عليه فلم يكن ملكا مطلقا ووجوب الزكاة وظيفة الملك المطلق وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة في الدين الذي وجب للانسان لابد لا عن شئ رأسا كالميراث الدين والوصية بالدين أو وجب بدلا عما ليس بمال أصلا كالمهر للمرأة على الزوج وبدل الخلع للزوج على المرأة والصلح عن دم العمد انه لا تجب الزكاة فيه وجملة الكلام في الديون انها على ثلاث مراتب في قول أبي حنيفة دين قوى ودين ضعيف ودين وسط كذا قال عامة مشايخنا اما القوى فهو الذي وجب بدلا عن مال التجارة كثمن عرض التجارة من ثياب التجارة وعبيد التجارة أو غلة مال التجارة ولا خلاف في وجوب الزكاة فيه الا انه لا يخاطب بأداء شئ من زكاة ما مضى ما لم يقبض أربعين درهما فكلما قبض أربعين درهما أدى درهما واحدا وعند أبي يوسف ومحمد كلما قبض شيئا يؤدى زكاته قل المقبوض أو كثر واما الدين الضعيف فهو الذي وجب له بدلا عن شئ سواء وجب له بغير صنعه كالميراث أو بصنعه كما لوصية أو وجب بدلا عما ليس بمال كالمهر وبدل الخلع والصلح عن القصاص وبدل الكتابة ولا زكاة فيه ما لم يقبض كله ويحول عليه الحول بعد القبض وأما الدين الوسط فما وجب له بدلا عن مال ليس للتجارة كثمن عبد الخدمة وثمن ثياب البذلة والمهنة وفيه روايتان عنه ذكر في الأصل انه تجب فيه الزكاة قبل القبض لكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم فإذا قبض مائتي درهم زكى لما مضى وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة انه لا زكاة فيه حتى يقبض المائتين ويحول عليه الحول من وقت القبض وهو أصح الروايتين عنه وقال أبو يوسف ومحمد الديون كلها سواء وكلها قوية تجب الزكاة فيها قبل القبض الا الدية على العاقلة ومال الكتابة فإنه لا تجب الزكاة فيها أصلا ما لم تقبض ويحول عليها الحول وجه قولهما ان ما سوى بدل الكتابة والدية على العاقلة ملك صاحب الدين ملكا مطلقا رقبة ويدا لتمكنه من القبض بقبض بدله وهو العين فتجب فيه الزكاة كسائر الأعيان المملوكة ملكا مطلقا الا انه لا يخاطب بالأداء للحال لأنه ليس في يده حقيقة فإذا حصل في يده يخاطب بأداء الزكاة قدر المقبوض كما هو مذهبهما في العين فيما زاد على النصاب بخلاف الدية وبدل الكتابة لان ذلك ليس بملك مطلق بل هو ملك ناقص على ما بينا والله أعلم ولأبي حنيفة وجهان أحدهما ان الدين ليس بمال بل هو فعل واجب وهو فعل تمليك المال وتسليمه إلى صاحب الدين والزكاة إنما تجب في المال فإذا لم يكن مالا لا تجب فيه الزكاة ودليل كون الدين فعلا من وجوه ذكرناها في الكفالة بالدين عن ميت مفلس في الخلافيات كان ينبغي أن لا تجب الزكاة في دين ما لم يقبض ويحول عليه الحول الا أن ما وجب له بدلا عن مال التجارة أعطى له حكم المال لان بدل الشئ قائم مقامه كأنه هو فصار كأن المبدل قائم في يده وانه مال التجارة وقد حال عليه الحول في يده والثاني إن كان الدين مالا مملوكا أيضا لكنه مال لا يحتمل القبض لأنه ليس بمال حقيقة بل هو مال حكم في الذمة وما في الذمة لا يمكن قبضه فلم يكن مالا مملوكا رقبة ويدا فلا تجب الزكاة فيه كمال الضمار فقياس هذا أن لا تجب الزكاة في الديون كلها لنقصان الملك بفوات اليد الا ان الدين الذي هو يدل مال التجارة التحق بالعين في احتمال القبض لكونه بدل مال التجارة قابل للقبض والبدل يقام مقام المبدل والمبدل عين قائمة قابلة للقبض فكذا ما يقوم مقامه وهذا المعنى لا يوجد فيما ليس ببدل رأسا ولا فيما هو بدل عما ليس بمال وكذا في بدل مال ليس للتجارة على الرواية الصحيحة انه لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض قدر النصاب ويحول عليه الحول بعد القبض لان الثمن بدل مال ليس للتجارة فيقوم مقام المبدل ولو كان المبدل قائما في يده حقيقة لا تجب الزكاة فيه فكذا في بدله بخلاف بدل مال التجارة واما الكلام في اخراج زكاة قدر المقبوض من الدين الذي تجب فيه
(١٠)