فوجب حمل النهى عن الاغتسال فيه على ما ذكرنا صيانة الكلام صاحب الشرع عن الإعادة الخالية عن الإفادة ولان هذا مما تستخبثه الطباع السليمة فكان محرما لقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة ولان الأمة أجمعت على أن من كان في السفر ومعه ماء يكفيه لوضوئه وهو بحال يخاف على نفسه العطش يباح له التيمم ولو بقي الماء طاهرا بعد الاستعمال لما أبيح لأنه يمكنه ان يتوضأ ويأخذ الغسالة في إناء نظيف ويمسكها للشرب والمعنى في المسألة من وجهين أحدهما في المحدث خاصة والثاني يعم الفصلين اما الأول فلان الحدث هو خروج شئ نجس من البدن وبه يتنجس بعض البدن حقيقة فيتنجس الباقي تقديرا ولهذا أمرنا بالغسل والوضوء وسمى تطهيرا وتطهير الطاهر لا يعقل فدل تسميتها تطهيرا على النجاسة تقديرا ولهذا لا يجوز له أداء الصلاة التي هي من باب التعظيم ولولا النجاسة المانعة من التعظيم لجازت فثبت ان على أعضاء المحدث نجاسة تقديرية فإذا توضأ انتقلت تلك النجاسة إلى الماء فيصير الماء نجسا تقديرا وحكما والنجس قد يكون حقيقا وقد يكون حكميا كالخمر والثاني ما ذكرنا انه يزيل نجاسة الآثام وخبثها فنزل ذلك منزلة خبث الخمر إذا أصاب الماء ينجسه كذا هذا ثم إن أبا يوسف جعل نجاسته خفيفة لعموم البلوى فيه لتعذر صيانة الثياب عنه ولكونه محل الاجتهاد فأوجب ذلك خفة في حكمه والحسن جعل نجاسته غليظة لأنها نجاسة حكمية وانها أغلظ من الحقيقية الا ترى انه عفى عن القليل من الحقيقية دون الحكمية بان بقي على جسده لمعة يسيرة وعلى هذا الأصل ينبنى ان التوضؤ في المسجد مكروه عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد لا بأس به إذا لم يكن عليه قذر فمحمد مر على أصله انه طاهر وأبو يوسف مر على أصله انه نجس واما عند أبي حنيفة فعلى رواية النجاسة لا يشكل واما على رواية الطهارة فلانه مستقذر طبعا فيجب تنزيه المسجد عنه كما يجب تنزيهه عن المخاط والبلغم ولو اختلط الماء المستعمل بالماء القليل قال بعضهم لا يجوز التوضؤ به وان قل وهذا فاسد اما عند محمد فلانه طاهر لم يغلب على الماء المطلق فلا يغيره عن صفة الطهورية كاللبن واما عندهما فلان القليل مما لا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه حين سئل عن القليل منه لا بأس به وسئل الحسن البصري عن القليل فقال ومن يملك نشر الماء وهو ما تطاير منه عن الوضوء وانتشر أشار إلى تعذر التحرز عن القليل فكان القليل عفوا ولا تعذر في الكثير فلا يكون عفوا ثم الكثير عند محمد ما يغلب على الماء المطلق وعندهما ان يتبين مواقع القطرة في الاناء (واما) بيان حال الاستعمال وتفسير الماء المستعمل فقال بعض مشايخنا الماء المستعمل ما زايل البدن واستقر في مكان وذكر في الفتاوى ان الماء إذا زال عن البدن لا ينجس ما لم يستقر على الأرض أو في الاناء وهذا مذهب سفيان الثوري فاما عندنا فما دام على العضو الذي استعمله فيه لا يكون مستعملا وإذا زايله صار مستعملا وان لم يستقر على الأرض أو في الاناء فإنه ذكر في الأصل إذا مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزء وان لم يستقر على الأرض أو في الاناء وذكر في باب المسح على الخفين ان من مسح على خفيه وبقى في كفه بلل فمسح به رأسه لا يجزيه وعلل بان هذا ماء قد مسح به مرة أشار إلى صيرورته مستعملا وان لم يستقر على الأرض أو في الاناء وقالوا فيمن توضأ وبقى على رجله لمعة فغسلها ببلل أخذه من عضو آخر لا يجوز وان لم يوجد الاستقرار على المكان فدل على أن المذهب ما قلنا (اما) سفيان فقد استدل بمسائل زعم أنها تدل على صحة ما ذهب إليه (منها) إذا توضأ أو اغتسل وبقى على يده لمعة فاخذ البلل منها في الوضوء أو من أي عضو كان في الغسل وغسل اللمعة يجوز (ومنها) إذا توضأ وبقى في كفه بلل فمسح به رأسه يجوز وان زايل العضو الذي استعمله فيه لعدم الاستقرار في مكان (ومنها) إذا مسح أعضاءه بالمنديل وابتل حتى صار كثيرا فاحشا أو تقاطر الماء على ثوب مقدار الكثير الفاحش جاز الصلاة معه ولو أعطى له حكم الاستعمال عند المزايلة لما جازت (ولنا) ان القياس ان يصير الماء مستعملا بنفس الملاقاة لما ذكرنا فيما تقدم أنه وجد سبب صيرورته مستعملا وهو إزالة الحدث أو استعماله على وجه القربة وقد حصل ذلك بمجرد الملاقاة فكان ينبغي ان يؤخذ لكل جزء من العضو جزء من الماء الا ان في ذلك حرجا فالشرع أسقط
(٦٨)