الذباب مع ضعف بنيته إذا مقل في الطعام الحار يموت فلو أوجب التنجيس لكان الامر بالمقل أمرا بافساد المال واضاعته مع نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وانه متناقض وحاشا أن يتناقض كلامه ولأنا لو حكمنا بنجاستها لوقع الناس في الحرج لأنه يتعذر صون الأواني عنها فأشبه موت الدودة المتولدة عن الخل فيه وبه تبين أن النص لم يتناول محل الضرورة والحرج مع ما أن السمك والجراد مخصوصان عن النص إذ هما ميتتان بنص النبي صلى الله عليه وسلم والمخصص انعدام الدم المسفوح والدم المسفوح ههنا منعدم (وأما) الذي له دم سائل فلا خلاف في الاجزاء التي فيها دم من اللحم والشحم والجلد ونحوها أنها نجسة لاحتباس الدم النجس فيها وهو الدم المسفوح (وأما) الاجزاء التي لا دم فيها فإن كانت صلبة كالقرن والعظم والسن والحافر والخف والظلف والشعر والصوف والعصب والإنفحة الصلبة فليست بنجسة عند أصحابنا وقال الشافعي الميتات كلها نجسة لظاهر قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة ولأصحابنا طريقان أحدهما أن هذه الأشياء ليست بميتة لان الميتة من الحيوان في عرف الشرع اسم لما زالت حياته لا بصنع أحد من العباد أو بصنع غير مشروع ولا حياة في هذه الأشياء فلا تكون ميتة والثاني أن نجاسة الميتات ليست لأعيانها بل لما فيها من الدماء السائلة والرطوبات النجسة ولم توجد في هذه الأشياء وعلى هذا ما أبين من الحي من هذه الاجزاء وإن كان المبان جزأ فيه دم كاليد والاذن والانف ونحوها فهو نجس بالاجماع وان لم يكن فيه دم كالشعر والصوف والظفر ونحوها فهو على الاختلاف وأما الإنفحة المائعة واللبن فطاهران عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد نجسان (لهما) أن اللبن وإن كان طاهرا في نفسه لكنه صار نجسا لمجاورة النجس ولأبي حنيفة قوله تعالى وان لكم من الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين وصف اللبن مطلقا بالخلوص والسيوغ مع خروجه من بين فرث ودم وذا آية الطهارة وكذا الآية خرجت مخرج الامتنان والمنة في موضع النعمة تدل على الطهارة وبه تبين أنه لم يخالطه النجس إذ لا خلوص مع النجاسة ثم ما ذكرنا من الحكم في اجزاء الميتة التي لا دم فيها من غير الآدمي والخنزير فاما حكمهما فيهما فاما الآدمي فعن أصحابنا فيه روايتان في رواية نجسة لا يجوز بيعها والصلاة معها إذا كان أكثر من قدر الدرهم وزنا أو عرضا على حسب ما يليق به ولو وقع في الماء القليل يفسده وفي رواية طاهر وهي الصحيحة لأنه لا دم فيها والنجس هو الدم ولأنه يستحيل أن تكون طاهرة من الكلب نجسة من الآدمي المكرم الا أنه لا يجوز بيعها ويحرم الانتفاع بها احتراما للآدمي كما إذا طحن سن الادمى مع الحنطة أو عظمه لا يباح تناول الخبز المتخذ من دقيقها لا لكونه نجسا بل تعظيما له كيلا يصير متناولا من أجزاء الآدمي كذا هذا (وأما) الخنزير فقد روى عن أبي حنيفة أنه نجس العين لان الله تعالى وصفه بكونه رجسا فيحرم استعمال شعره وسائر أجزائه الا أنه رخص في شعره للخرازين للضرورة وروى عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه كره ذلك أيضا نصا ولا يجوز بيعها في الروايات كلها ولو وقع شعره في الماء القليل روى عن أبي يوسف أنه ينجس الماء وعن محمد أنه لا ينجس ما لم يغلب على الماء كشعر غيره وروى عن أصحابنا في غير رواية الأصول أن هذه الاجزاء منه طاهرة لانعدام الدم فيها والصحيح أنها نجسة لان نجاسة الخنزير ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل لعينه (وأما) الكلب فالكلام فيه بناء على أنه نجس العين أم لا وقد اختلف مشايخنا فيه فمن قال إنه نجس العين فقد الحقه بالخنازير فكان حكمه حكم الخنزير ومن قال إنه ليس بنجس العين فقد جعله مثل سائر الحيوانات سوى الخنزير وهذا هو الصحيح لما نذكر (ومنها) سؤر الكلب والخنزير عند عامه العلماء وجملة الكلام في الأسئار أنها أربعة أنواع نوع طاهر متفق على طهارته من غير كراهة ونوع مختلف في طهارته ونجاسته ونوع مكروه ونوع مشكوك فيه (أما) السؤر الطاهر المتفق على طهارته فسؤر الآدمي بكل حال مسلما كان أو مشركا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى طاهرا أو نجسا حائضا أو جنبا الا في حال شرب الخمر لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتى بعس من لبن فشرب بعضه وناول الباقي اعرابيا كان على
(٦٣)