صلاته فسأل الله تعالى شيئا فان دعا بما في القرآن لا تفسد صلاته لأنه ليس من كلام الناس وكذا لو دعا بما يشبه ما في القرآن وهو كل دعاء يستحيل سؤاله من الناس لما قلنا ولو دعا بما لا يمتنع سؤاله من الناس تفسد صلاته عندنا نحو قوله اللهم أعطني درهما وزوجني فلانة وألبسني ثوبا وأشباه ذلك وقال الشافعي إذا دعا في صلاة بما يباح له ان يدعو به خارج الصلاة لا تفسد صلاته واحتج بقوله تعالى واسئلوا الله من فضله وقوله صلى الله عليه وسلم سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم والملح لقدوركم وعن علي رضي الله عنه انه كان يقنت في صلاة الفجر يدعو على من ناواه أي عاداه ولنا ان ما يجوز أن يخاطب به العبد فهو من كلام الناس وضعا ولم يخلص دعاء وقد جرى الخطاب فيما بين العباد بما ذكرنا ألا ترى ان بعضهم يسأل بعضا ذلك فيقول أعطني درهما أو زوجني امرأة وكلام الناس مفسد ولهذا عد النبي صلى الله عليه وسلم تشميت العاطس كلاما مفسدا للصلاة في ذلك الحديث لما خاطب الآدمي به وقصد قضاء حقه وإن كان دعاء صيغة وهذا صيغته من كلام الناس وان خاطب الله تعالى فكان مفسدا بصيغته والكتاب والسنة محمولان على دعاء لا يشبه كلام الناس أو على خارج الصلاة وأما حديث علي رضي الله عنه فلم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب إليه أبو موسى الأشعري أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فأعد صلاتك وذكر في الأصل أرأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته ومن الشعر ما هو ذكر الله تعالى كما قال الشاعر * ألا كل شئ ما خلا الله باطل * ولا ينبغي للرجل أن يسلم على المصلى ولا للمصلى أن يرد سلامه بإشارة ولا غير ذلك أما السلام فلانه يشغل قلب المصلى عن صلاته فيصير مانعا له عن الخير وانه مذموم وأما رد السلام بالقول والإشارة فلان رد السلام من جملة كلام الناس لما روينا من حديث عبد الله بن مسعود وفيه انه لا يجوز الرد بالإشارة لان عبد الله قال فسلمت عليه فلم يرد على فيتناول جميع أنواع الرد ولان في الإشارة ترك سنة اليد وهي الكف لقوله صلى الله عليه وسلم كفوا أيديكم في الصلاة غير أنه إذا رد بالقول فسدت صلاته لأنه كلام ولو رد بالإشارة لا تفسد لان ترك السنة لا يفسد الصلاة ولكن يوجب الكراهة (ومنها) السلام متعمدا وهو سلام الخروج من الصلاة لأنه إذا قصد به الخروج من الصلاة صار من كلام الناس لأنه خاطبهم به وكلام الناس مفسد (ومنها) القهقهة عامدا كان أو ناسيا لان القهقهة في الصلاة أفحش من الكلام ألا ترى انها تنقض الوضوء والكلام لا ينقض ثم لما جعل الكلام قاطعا للصلاة ولم يفصل فيه بين العمد والسهو فالقهقهة أولى ومنها الخروج عن المسجد من غير عذر لان استقبال القبلة حال الاختيار شرط جواز الصلاة هذا كله من الحدث العمد والكلام والسلام والقهقهة والخروج من المسجد إذا فعل شيئا من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير فاما إذا قعد قدر التشهد ثم فعل شيئا من ذلك فقد أجمع أصحابنا على أنه لو تكلم أو خرج من المسجد لا تفسد صلاته سواء كان منفردا أو اماما خلفه لاحقون أو مسبوقون وسواء أدرك اللاحقون الامام في صلاته وصلوا معه أو لم يدركوا وكذلك لو قهقه أو أحدث متعمدا وهو منفرد وإن كان اماما خلفه لاحقون ومسبوقون فصلاة الامام تامة بلا خلاف بين أصحابنا وصلاة المسبوقين فاسدة في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد تامة وجه قولهما ان القهقهة والحدث لم يفسدا صلاة الامام فلا يفسد ان صلاة المقتدى وإن كان مسبوقا لان صلاة المقتدى لو فسدت إنما تفسد بافساد الامام صلاته لا بافساد المقتدى لانعدام المفسد من المقتدى فلما لم تفسد صلاة الامام مع وجود المفسد من جهته فلان لا تفسد صلاة المقتدى أولى وصار كما لو تكلم أو خرج من المسجد ولأبي حنيفة الفرق بين الحدث العمد والقهقهة وبين الكلام والخروج من المسجد والفرق ان حدث الامام افساد للجزء الذي لا قاه من صلاته فيفسد ذلك الجزء من صلاته ويفسد من صلاة المسبوق الا ان الامام لم يبق عليه فرض فيقتصر الفساد في حقه على الجزء وقد بقي للمسبوق فروض فتمنعه من البناء فاما الكلام فقطع للصلاة ومضاد لها كما ذكرنا فيمنع من الوجود ولا تفسد وشرح هذا الكلام ان القهقهة والحدث العمد ليسا بمضادين للصلاة بل هما مضاد ان للطهارة والطهارة شرط أهلية الصلاة فصار الحدث مضادا للأهلية بواسطة مضادته شرطها والشئ لا ينعدم بما لا يضاده فلم تنعدم الصلاة
(٢٣٧)