العورة في خلال الصلاة إذا كان كثيرا لان استتارها من شرائط الجواز فكان انكشافها في الصلاة مفسدا الا أنه سقط اعتبار هذا الشرط في القليل عندنا خلافا للشافعي للضرورة كما في قليل النجاسة لعدم امكان التحرز عنه على ما بينا فيما تقدم وكذلك الحرة إذا سقط قناعها في خلال الصلاة فرفعته وغطت رأسها بعمل قليل قيل أن تؤدى ركنا من أركان الصلاة أو قبل أن تمكث ذلك القدر لا تفسد صلاتها لأن المرأة قد تبتلى بذلك فلا يمكنها التحرز عنه فاما إذا بقيت كذلك حتى أدت ركنا أو مكثت ذلك القدر أو غطت من ساعتها لكن بعمل كثير فسدت صلاتها لانعدام الضرورة وكذلك الأمة إذا عتقت في خلال صلاتها وهي مكشوفة الرأس فأخذت قناعها فهو على ما ذكرنا في الحرة وكذلك المدبرة والمكاتبة وأم الولد لان رؤس هؤلاء ليست بعورة على ما يعرف في كتاب الاستحسان فإذا أعتقن أخذن القناع للحال لان خطاب الستر توجه للحال الا ان تبين ان عليها الستر من الابتداء لان رأسها إنما صار عورة بالتحرير وهو مقصور على الحال فكذا صيرورة الرأس عورة بخلاف العاري إذا وجد كسوة في خلال الصلاة حيث تفسد صلاته لان عورته ما صارت عورة للحال بل كانت عند الشروع في الصلاة الا ان الستر كان قد سقط لعذر العدم فإذا زال تبين ان الوجوب كان ثابتا من ذلك الوقت وعلى هذا إذا كان الرجل يصلى في ازار واحد فسقط عنه في خلال الصلاة وهذا كله مذهب علمائنا الثلاثة وهو جواب الاستحسان والقياس أن تفسد صلاته في جميع ذلك وهو قول زفر والشافعي لان ستر العورة فرض بالنص والاستتار يفوت بالانكشاف وان قل الا أنا استحسنا الجواز وجعلنا ما لا يمكن التحرز عنه عفوا دفعا للحرج وكذلك إذا حضرته الصلاة وهو عريان لا يجد ثوبا جازت صلاته لمكان الضرورة ولو كان معه ثوب نجس فقد ذكرنا تفصيل الجواب فيه انه إن كان ربع منه طاهرا لا يجوز له أن يصلى عريانا ولكن يجب عليه أن يصلى في ذلك الثوب بلا خلاف وإن كان كله نجسا فقد ذكرنا الاختلاف فيه بين أبي حنيفة وأبى يوسف وبين محمد في كيفية الصلاة فيما تقدم ومنها محاذاة المرأة الرجل في صلاة مطلقة يشتركان فيها فسدت صلاته عندنا استحسانا والقياس أن لا تكون المحاذاة مفسدة صلاة الرجل وبه أخذ الشافعي حتى لو قامت امرأة خلف الامام ونوت صلاته وقد نوى الامام امامة النساء ثم حاذته فسدت صلاته عندنا وعنده لا تفسد وجه القياس ان الفساد لا يخلوا اما أن يكون لخساستها أو لاشتغال قلب الرجل بها والوقوع في الشهوة لا وجه للأول لأن المرأة لا تكون أخس من الكلب والخنزير ومحاذاتهما غير مفسدة ولان هذا المعنى يوجد في المحاذاة في صلاة لا يشتركان فيها والمحاذاة فيها غير مفسدة بالاجماع ولا سبيل إلى الثاني لهذا أيضا ولأن المرأة تشارك الرجل في هذا المعنى فينبغي أن تفسد صلاتها أيضا ولا تفسد بالاجماع والدليل عليه أن المحاذاة في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة غير مفسدة فكذا في سائر الصلوات وجه الاستحسان ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أخروهن من حيث أخرهن الله عقيب قوله خير صفوف الرجال أو لها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها والاستدلال بهذا الحديث من وجهين أحدهما أنه لما أمر بالتأخير صار التأخير فرضا من فرائض الصلاة فيصير بتركة التأخير تاركا فرضا من فرائضها فتفسد والثاني أن الامر بالتأخير أمر بالتقدم عليها ضرورة فإذا لم تؤخر ولم يتقدم فقد قام مقاما ليس بمقام له فتفسد كما إذا تقدم على الامام والحديث ورد في صلاة مطلقة مشتركة فبقي غيرها على أصل القياس وإنما لا تفسد صلاتها لان خطاب التأخير يتناول الرجل ويمكنه تأخيرها من غير أن تتأخر هي بنفسها ويتقدم عليها فلم يكن التأخير فرضا عليها فتركه لا يكون مفسدا ويستوى الجواب بين محاذاة البالغة وبين محاذاة المراهقة التي تعقل الصلاة في حق فساد صلاة الرجل استحسانا والقياس أن لا تفسد محاذاة غير البالغة لان صلاتها تخلق واعتياد لا حقيقة صلاة وجه الاستحسان انها مأمورة بالصلاة مضروبة عليها كما نطق به الحديث فجعلت المشاركة في أصل الصلاة والمشاركة في أصل الصلاة تكفى للفساد إذا وجدت المحاذاة وإذا عرف أن المحاذاة مفسدة فنقول إذا قامت في الصف امرأة فسدت صلاة رجل عن يمينها ورجل عن يسارها ورجل خلفها بحذائها لان الواحدة تحاذي هؤلاء الثلاثة ولا تفسد صلاة غيرهم لان هؤلاء
(٢٣٩)