إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وما لا يصلح في الصلاة فمباشرته مفسد للصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك ولهذا لو كثر كان مفسدا ولو كان النسيان فيها عذر الاستوى قليله وكثيرة كالأكل في باب الصوم وحديث ذي اليدين محمول على الحالة التي كان يباح فيها التكلم في الصلاة وهي ابتداء الاسلام بدليل ان ذا اليدين وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم تكلموا في الصلاة عامدين ولم يأمرهم بالاستقبال مع أن الكلام العمد مفسد للصلاة بالاجماع والرفع المذكور في الحديث محمول على رفع الاثم والعقاب ونحن نقول به والاعتبار بسلام الناسي غير سديد فان الصلاة تبقى مع سلام العمد في الجملة وهو قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والنسيان دون العمد فجاز أن تبقى مع النسيان في كل الأحوال وفقهه ان السلام بنفسه غير مضاد للصلاة لما فيه من معنى الدعاء الا أنه إذا قصد به الخروج في أوان الخروج جعل سببا للخروج شرعا فإذا كان ناسيا وبقى عليه شئ من الصلاة لم يكن السلام موجودا في أو انه فلم يجعل سببا للخروج بخلاف الكلام فإنه مضاد للصلاة ولان النسيان في أعداد الركعات يغلب وجوده فلو حكمنا بخروجه عن الصلاة يؤدى إلى الحرج فأما الكلام فلا يغلب وجوده ناسيا فلو جعلناه قاطعا للصلاة لا يؤدى إلى الحرج فبطل الاعتبار والله أعلم والنفخ المسموع مفسد للصلاة عند أبي حنيفة ومحمد وجملة الكلام فيه ان النفخ على ضربين مسموع وغير مسموع وغير المسموع منه لا يفسد الصلاة بالاجماع لأنه ليس بكلام معهود وهو الصوت المنظوم المسموع ولا عمل كثير الا أنه يكره لما مر ان ادخال ما ليس من أعمال الصلاة في الصلاة من غير ضرورة مكروه وإن كان قليلا فأما المسموع منه فإنه يفسد الصلاة في قول أبي حنيفة ومحمد سواء أراد به التأفيف أو لم يرد وكان أبو يوسف يقول أولا ان أراد به التأفيف بأن قال أف أو تف على وجه الكراهة للشئ وتبعيده يفسد وان لم يرد به التأفيف لا يفسد ثم رجع وقال لا يفسد أراد به التأفيف أو لم يرد وجه قوله الأول أنه إذا أراد به التأفيف كان من كلام الناس لدلالته على الضمير فيفسد وإذا لم يرد به التأفيف لم يكن من كلاما لناس لعدم دلالته على الضمير فلا يفسد كالتنحنح وجه قوله الأخير انه ليس من كلام الناس في الوضع فلا يصير من كلامهم بالقصد والإرادة ولان أحد الحرفين ههنا من الزوائد التي يجمعها قولك اليوم تنساه والحرف الزائد ملحق بالعدم يبقى حرف واحد وانه ليس بكلام حتى لو كانت ثلاثة أحرف أصلية أو زائدة أو كانا حرفين أصليين يوجب فساد الصلاة ولأبي حنيفة ومحمد ان الكلام في العرف اسم للحروف المنظومة المسموعة وأدنى ما يحصل به انتظام الحروف حرفان وقد وجد في التأفيف وليس من شرط كون الحروف المنظومة كلاما في العرف أن تكون مفهومة المعنى فان الكلام العربي نوعان مهمل ومستعمل ولهذا لو تكلم بالمهملات فسدت صلاته مع ما أن التأفيف مفهوم المعنى لأنه وضع في اللغة للتبعيد على طريق الاستخفاف حتى حرم استعمال هذا اللفظ في حق الأبوين احتراما لهما لقوله تعالى ولا تقل لهما أف وهذا النص من أقوى الحجج لهما أن الله تعالى سمى التأفيف قولا فدل انه كلام والدليل على أن النفخ كلام ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لغلام يقال له رباح حين مر به وهو ينفخ التراب من موضع سجوده في صلاته لا تنفخ فان النفخ كلام وفى رواية اما علمت أن من نفخ في صلاته فقد تكلم وهذا نص في الباب واما التنحنح عن عذر فإنه لا يفسد الصلاة بلا خلاف واما من غير عذر فقد اختلف المشايخ فيه على قولهما قال بعضهم يفسد لوجود الحرفين من حروف الهجاء وقال بعضهم ان تنحنح لتحسين الصوت لا يفسد لان ذلك سعى في أداء الركن وهو القراءة على وصف الكمال وروى اما الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي عن الشيخ أبى بكر الجوزجاني صاحب أبى سليمان الجوزجاني أنه قال إذا قال أخ فسدت صلاته لان له هجاء ويسمع فهو كالنفخ المسموع وبه تبين ان ما ذكره أبو يوسف من المعنى غير سديد لما ذكرنا ان الله تعالى سماه قولا ولما ذكرنا ان الحروف المنظومة المسموعة كافية للفساد وان لم يكن لها معنى مفهوما كما لو تكلم بمهمل كثرت حروفه وأما قوله إن أحد الحرفين من الحروف الزوائد فنعم هو من جنس الحروف الزوائد لكنه من هذه الكلمة ليس هو بزائد والحاق ما هو من جنس الحروف الزوائد من كلمة ليس هو فيها زائدا بالزوائد محال وكذا قوله بامتناع
(٢٣٤)