التغيير بالقصد والإرادة غير صحيح بدليل ان من قال لا يبعث الله من يموت وأراد به قراءة القرآن يثاب عليه ولو أراد به الانكار للبعث يكفر فدل ان ما ليس من كلام الناس في الوضع جوز أن يصير من كلامهم بالقصد والإرادة ولو أن في صلاته أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان ذلك من ذكر الجنة أو النار لا تفسد الصلاة وإن كان من وجع أو مصيبة يفسدها لان الأنين أو البكاء من ذكر الجنة أو النار يكون لخوف عذاب الله وأليم عقابه ورجاء ثوابه فيكون عبادة خالصة ولهذا مدح الله تعالى خليله عليه الصلاة والسلام بالتأوه فقال إن إبراهيم لاواه حليم وقال في موضع آخر ان إبراهيم لحليم أواه منيب لأنه كان كثير التأوه في الصلاة وكان لجوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيز كأزيز المرجل في الصلاة وإذا كان كذلك فالصوت المنبعث عن مثل هذا الأنين لا يكون من كلام الناس فلا يكون مفسد أو لان التأوه والبكاء من ذكر الجنة والنار يكون بمنزلة التصريح بمسألة الجنة والتعوذ من النار وذلك غير مفسد كذا هذا وإذا كان ذلك من وجع أو مصيبة كان من كلام الناس وكلام الناس مفسد وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال آه لا تفسد صلاته وإن كان من وجع أو مصيبة وإذا قال أوه تفسد صلاته لان الأول ليس من قبيل الكلام بل هو شبيه بالتنحنح والتنفس والثاني من قبيل الكلام والجواب ما ذكرنا ولو عطس رجل فقال له رجل في الصلاة يرحمك الله فسدت صلاته لان تشميت العاطس من كلام الناس لما روينا من حديث معاوية بن الحكم السلمي ولأنه خطاب للعاطس بمنزلة قوله أطال الله بقاءك وكلام الناس مفسد بالنص وان أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو أخبر بما يتعجب منه فقال سبحان الله فإن لم يرد جواب المخبر لم تقطع صلاته وان أراد به جوابه قطع عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يقطع وان أراد به الجواب وجه قوله إن الفساد لو فسدت إنما تفسد بالصيغة أو بالنية لا وجه للأول لان الصيغة صيغة الأذكار ولا وجه للثاني لان مجرد النية غير مفسد ولهما ان هذا اللفظ لما استعمل في محل الجواب وفهم منه ذلك صار من هذا الوجه من كلام الناس وان لم يصر من حيث الصيغة ومثل هذا جائز كمن قال لرجل اسمه يحيى وبين يديه كتاب موضوع يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأراد به الخطاب بذلك لا قراءة القرآن انه يعد متكلما لا قارئا وكذا إذا قيل للمصلى باي موضع مررت فقال بئر معطلة وقصر مشيد وأراد به جواب الخطاب لما ذكرنا كذا هذا وكذلك إذا أخبر بخبر يسوؤه فاسترجع لذلك فإن لم يرد به جوابه لم يقطع صلاته وان أراد به الجواب قطع لان معنى الجواب في استرجاعه أعينوني فانى مصاب ولم يذكر خلاف أبى يوسف في مسألة الاسترجاع في الأصل والأصح انه على الاختلاف ومن سلم فرق بينهما فقال الاسترجاع اظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله فاما التحميد فاظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله ولو مر المصلى بآية فيها ذكر الجنة فوقف عندها وسأل الله الجنة أو بآية فيها ذكر النار فوقف عندها وتعوذ بالله من النار فإن كان في صلاته التطوع فهو حسن إذا كان وحده لما روى عن حذيفة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة وآل عمران في صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة الا وقف وسأل الله تعالى وما مر بآية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ وما مر بآية فيها مثل الا وقف وتفكر واما الامام في الفرائض فيكره له ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله في المكتوبات وكذا الأئمة بعده إلى يومنا هذا فكان من المحدثات ولأنه يثقل على القوم وذلك مكروه ولكن لا تفسد صلاته لأنه يزيد في خشوعه والخشوع زينة الصلاة وكذا المأموم يستمع وينصت لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ولو استأذن على المصلى انسان فسبح وأراد به اعلامه انه في الصلاة لم يقطع صلاته لما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان في كل يوم بأيهما شئت دخلت فكنت إذا أتيت الباب فإن لم يكن في الصلاة فتح الباب فدخلت وإن كان في الصلاة رفع صوته بالقراءة فانصرفت ولان المصلى يحتاج إليه لصيانة صلاته لأنه لو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط في القراءة فكان القصد به صيانة صلاته فلم تفسد وكذا إذا عرض للامام شئ فسبح المأموم لا بأس به لان القصد به اصلاح الصلاة فسقط حكم الكلام عنه للحاجة إلى الاصلاح ولا يسبح الامام إذا قام إلى الأخريين لأنه لا يجوز له
(٢٣٥)