وصلوا ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فدل على الجواز فإذا صلى إلى جهة من الجهات فلا يخلوا ما أن صلى إلى جهة بالتحري أو بدون التحري فان صلى بدون التحري فلا يخلو من أوجه اما إن كان لم يخطر بباله شئ ولم يشك في جهة القبلة أو خطر بباله وشك في جهة القبلة وصلى من غير تحر أو تحرى ووقع تحريه على جهة فصلى إلى جهة أخرى لم يقع عليها التحري أما إذا لم يخطر بباله شئ ولم يشك وصلى إلى جهة من الجهات فالأصل هو الجواز لان مطلق الجهة قبلة بشرط عدم دليل يوصله إلى جهة الكعبة من السؤال أو التحري ولم يوجد لان التحري لا يجب عليه إذا لم يكن شاكا فإذا مضى على هذه الحالة ولم يخطر بباله شئ صارت الجهة التي صلى إليها قبلة له ظاهرا فان ظهر انها جهة الكعبة تقرر الجواز فاما إذا ظهر خطأه بيقين بان انجلى الظلام وتبين انه صلى إلى غير جهة الكعبة أو تحرى ووقع تحريه على غير الجهة التي صلى إليها إن كان بعد الفراغ من الصلاة يعيد وإن كان في الصلاة يستقبل لان ما جعل حجة بشرط عدم الأقوى يبطل عند وجوده كالاجتهاد إذا ظهر نص بخلافه وأما إذا شك ولم يتحر وصلى إلى جهة من الجهات فالأصل هو الفساد فإذا ظهر أن الصواب في غير الجهة التي صلى إليها اما بيقين أو بالتحري تقرر الفساد وان ظهر أن الجهة التي صلى إليها قبلة إن كان بعد الفراغ من الصلاة أجزأه ولا يعيد لأنه إذا شك في جهة الكعبة وبنى صلاته على الشك احتمل أن تكون الجهة التي صلى إليها قبلة واحتمل أن لا تكون فان ظهر انها لم تكن قبلة يظهر أنه صلى إلى غير القبلة وان ظهر انها كانت قبلة يظهر أنه صلى إلى القبلة فلا يحكم بالجواز في الابتداء بالشك والاحتمال بل يحكم بالفساد بناء على الأصل وهو العدم بحكم استصحاب الحال فإذا تبين انه صلى إلى القبلة بطل الحكم باستصحاب الحال وثبت الجواز من الأصل وأما إذا ظهر في وسط الصلاة روى عن أبي يوسف أنه يبنى على صلاته لما قلنا وفى ظاهر الرواية يستقبل لان شروعه في الصلاة بناء على الشك ومتى ظهرت القبلة اما بالتحري أو بالسؤال من غيره صارت حالته هذه أقوى من الحالة الأولى ولو ظهرت في الابتداء لا تجوز صلاته الا إلى هذه الجهة فكذا إذا ظهرت في وسط الصلاة وصار كالمومي إذا قدر على القيام في وسط الصلاة أنه يستقبل لما ذكرنا كذا هذا وأما إذا تحرى ووقع تحريه إلى جهة فصلى إلى جهة أخرى من غير تحر فان أخطأ لا تجزيه بالاجماع وان أصاب فكذلك في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه يجوز (ووجهه) أن المقصود من التحري هو الإصابة وقد حصل هذا المقصود فيحكم بالجواز كما إذا تحرى في الأواني فتوضأ بغير ما وقع عليه التحري ثم تبين أنه أصاب يجزيه كذا هذا وجه ظاهر الرواية أن القبلة حالة اشتباه هي الجهة التي مال إليها المتحري فإذا ترك الاقبال إليها فقد أعرض عما هو قبلته مع القدرة عليه فلا يجوز كمن ترك التوجه إلى المحاريب المنصوبة مع القدرة عليه بخلاف الأواني لان الشرط هو التوضؤ بالماء الطاهر حقيقة وقد وجد فاما إذا صلى إلى جهة من الجهات بالتحري ثم ظهر خطأه فإن كان قبل الفراغ من الصلاة استدار إلى القبلة وأتم الصلاة لما روى أن أهل قبا لما بلغهم فسخ القبلة إلى بيت المقدس استداروا كهيئتهم وأتموا صلاتهم ولم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولان الصلاة المؤداة إلى جهة التحري مؤداة إلى القبلة لأنها هي القبلة حال الاشتباه فلا معنى لوجوب الاستقبال ولان تبدل الرأي في معنى انتساخ النص وذا لا يوجب بطلان العمل بالمنسوخ في زمان ما قبل النسخ كذا هذا وإن كان بعد الفراغ من الصلاة فان ظهر أنه صلى يمنة أو يسرة يجزيه ولا يلزمه الإعادة بلا خلاف وان ظهر أنه صلى مستدبر الكعبة يجزيه عندنا وعند الشافعي لا يجزيه وعلى هذا إذا اشتبهت القبلة على قوم فتحروا وصلوا بجماعة جازت صلاة الكل عندنا الا صلاة من تقدم على امامه أو علم بمخالفته إياه وجه قول الشافعي أنه صلى إلى القبلة بالاجتهاد وقد ظهر خطأه بيقين فيبطل كما إذا تحرى وصلى في ثوب على ظن أنه طاهر ثم تبين أنه نجس انه لا يجزيه وتلزمه الإعادة كذا ههنا (ولنا) أن قبلته حال الاشتباه هي الجهة التي تحرى إليها وقد صلى إليها فتجزيه كما إذا صلى إلى المحاريب المنصوبة والدليل على أن قبلته هي جهة التحري النص والمعقول أما النص فقوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله قيل في بعض وجوه التأويل ثمة قبلة
(١١٩)