الأول فالدليل على فرضيتها ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلوا على كل بر وفاجر وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر من جملتها أنه يصلى على جنازته وكلمة على للايجاب وكذا مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا عليها دليل الفرضية والاجماع منعقد على فرضيتها أيضا الا انها فرض كفاية إذا قام به البعض يسقط عن الباقين لان ما هو الفرض وهو قضاء حق الميت يحصل بالبعض ولا يمكن ايجابها على كل واحد من آحاد الناس فصار بمنزلة الجهاد لكن لا يسع الاجتماع على تركها كالجهاد وأما بيان من يصلى عليه فكل مسلم مات بعد الولادة يصلى عليه صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا الا البغاة وقطاع الطريق ومن بمثل حالهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا على كل بر وفاجر وقوله للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر من جملتها أن يصلى على جنازته من غير فصل الا ما خص بدليل والبغاة ومن بمثل حالهم مخصوصون لما ذكرنا ولما يصلى على من وجد ميتا وقد ذكرناه في باب الغسل وان مات في حال ولادته فإن كان خرج أكثره صلى عليه وإن كان أقله لم يصلى عليه اعتبارا للأغلب وإن كان خرج نصفه لم يذكر في الكتاب ويجب أن يكون هذا على قياس ما ذكرنا من الصلاة على نصف الميت ولا يصلى على بعض الانسان حتى يوجد الأكثر منه عندنا لأنا لو صلينا على هذا البعض يلزمنا الصلاة على الباقي إذا وجدناه فيؤدى إلى التكرار وانه ليس بمشروع عندنا بخلاف الأكثر لأنه إذا صلى عليه لم يصل على الباقي إذا وجد وقد ذكرناه في باب الغسل وذكرنا اختلاف رواية الكرخي والطحاوي في النصف المقطوع ولا يصلى على ميت الا مرة واحدة لا جماعة ولا وحدانا عندنا الا أن يكون الذين صلوا عليها أجانب بغير أمر الأولياء ثم حضر الولي فحينئذ له أن يعيدها وقال الشافعي يجوز لمن لم يصلى أن يصلى واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي ولا شك انه كان صلى عليه وروى أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل قبر فلانة فقال هلا آذنتموني بالصلاة عليها فقيل إنها دفنت ليلا فخشينا عليك هوام الأرض فقال صلى الله عليه وسلم إذا مات انسان فآذنوني فان صلاتي عليه رحمة وقام وجعل القبر بينه وبين القبلة وصلى عليه وكذا الصحابة رضي الله عنهم صلوا على النبي صلى الله عليه وسم جماعة بعد جماعة ولأنها دعاء ولا بأس بتكرار الدعاء ولان حق الميت وان قضى فلكل مسلم في الصلاة حق ولأنه يثاب بذلك وعسى أن يغفر له ببركة هذا الميت كرامة له ولم يقض هذا الحق في حق كل شخص فكان له أن يقضى حقه (ولنا) ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فلما فرغ جاء عمر ومعه قوم فأراد أن يصلى ثانيا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على الجنازة لا تعاد ولكن ادع للميت واستغفر له وهذا نص في الباب وروى ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم فاتتهما صلاة على جنازة فلما حضرا ما زاد على الاستغفار له وروى عن عبد الله بن سلام انه فاتته الصلاة على جنازة عمر رضي الله عنه فلما حضر قال إن سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالدعاء له والدليل عليه ان الأمة توارثت ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم ولو جاز لما ترك مسلم الصلاة عليهم خصوصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه في قبره كما وضع فان لحوم الأنبياء حرام على الأرض به ورد الأثر وتركهم ذلك اجماعا منهم دليل على عدم جواز التكرار ولان الفرض قد سقط بالفعل مرة واحدة لكونها فرض كفاية ولهذا ان من لم يصل لو ترك الصلاة ثانيا لا يأثم وإذا سقط الفرض فلو صلى ثانيا نفلا والتنفل بصلاة الجنازة غير مشروع بدليل ان من صلى مرة لا يصلى ثانيا وهذا بخلاف ما إذا تقدم غير الولي فصلى ان للولي أن يصلى عليه لأنه إذا لم يجز الأول تبين ان الأول لم يقع فرضا لان حق التقدم كان له فإذا تقدم غيره بغير اذنه كان له أن يستوفى حقه في التقدم فيقع الأول فرضا فهو الفرق والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أعاد لأن ولاية الصلاة كانت له فإنه كان أولى الأولياء قال الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يصلى على موتاكم غيري ما دمت بين أظهركم فلم يسقط الفرض بأداء غيره وهذا هو تأويل فعل الصحابة رضي الله عنهم فان
(٣١١)