بينما إذا كان المقتدى قاعدا يومئ بالامام القاعد المومئ وبينما إذا كان قائما والامام قاعد ولان هذا القيام ليس بركن ألا ترى ان الأولى تركه فكان وجوده وعدمه بمنزلة ويجوز اقتداء الغاسل بالماسح على الخف لان المسح على الخف بدل عن الغسل وبدل الشئ يقوم مقامه عند العجز عنه أو تعذر تحصيله فقام المسح مقام الغسل في حق تطهير الرجلين لتعذر غسلهما عند كل حدث خصوصا في حق المسافر على ما مر فانعقدت تحريمة الامام للصلاة مع غسل الرجلين لانعقادها لما هو بدل عن الغسل فصح بناء تحريمة المقتدى على تلك التحريمة ولان طهارة القدم حصلت بالغسل السابق واخلف مانع سراية الحدث إلى القدم فكان هذا اقتداء الغاسل بالغاسل فصح وكذا يجوز اقتداء الغاسل بالماسح على الجبائر لما مر أنه بدل عن المسح قائم مقامه فيمكن تحقيق معنى الاقتداء فيه ويجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز وقد مر الكلام فيه في كتاب الطهارة ويجوز اقتداء القائم الذي يركع ويسجد بالقاعد الذي يركع ويسجد استحسانا وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف والقياس أن لا يجوز وهو قول محمد وعلى هذا الاختلاف اقتداء القائم المومئ بالقاعد المومئ وجه القياس ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يؤمن أحد بعدي جالسا أي لقائم لاجماعنا على أنه لو أم لجالس جاز ولان المقتدى أعلى حالا من الامام فلا يجوز اقتداؤه به كاقتداء الراكع الساجد بالمومئ واقتداء القارئ بالأمي (وفقهه) ما بينا ان المقتدى يبنى تحريمته على تحريمة الامام وتحريمة الامام ما انعقدت للقيام بل انعقدت للقعود فلا يمكن بناء القيام عليها كما لا يمكن بناء القراءة على تحريمة الأمي وبناء الركوع والسجود على تحريمة المومئ وجه الاستحسان ما روى أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلبي الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحا به قاعدا وأصحابه خلفه قيام يقتدون به فإنه لما ضعف في مرضه قال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما قولي له ان أبا بكر رجل أسيف إذا وقف في مكالك لا يملك نفسه فلو أمرت غيره فقالت حفصة ذلك فقال صلى الله عليه وسلم أفتن صويحبات يوسف مروا أبا بكر يصلى بالناس فلما افتتح أبو بكر رضي الله عنه الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج وهو يهادى بين على والعباس ورجلاه يخطان الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه حسه تأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس يصلى وأبو بكر يصلى بصلاته والناس يصلون بصلاة أبى بكر يعنى ان أبا بكر رضي الله عنه كان يسمع تكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكبر والناس يكبرون بتكبير أبى بكر فقد ثبت الجواز على وجه لا يتوهم ورود النسخ عليه ولو توهم ورود النسخ يثبت الجواز ما لم يثبت النسخ فإذا لم يتوهم ورود النسخ أولى ولان القعود غير القيام وإذا أقيم شئ مقام غيره جعل بدلا عنه كالمسح على الخف مع غسل الرجلين وإنما قلنا إنهما متغاير ان بدليل الحكم والحقيقة (أما) الحقيقة فلان القيام اسم لمعنيين متفقين في محلين مختلفين وهما الانتصابان في النصف الاعلى والنصف الأسفل وفلو تبدل الانتصاب في النصف الاعلى بما يضاده وهو الانحناء سمى ركوعا لوجود الانحناء لأنه في اللغة عبارة عن الانحناء من غير اعتبار النصف الأسفل لان ذلك وقع وفاقا فأما هو في اللغة فاسم لشئ واحد فحسب وهو الانحناء ولو تبدل الانتصاب في النصف الأسفل بما يضاده وهو انضمام الرجلين والصاق الألية بالأرض يسمى قعودا فكان القعود اسما لمعنيين مختلفين في محلين مختلفين وهما الانتصاب في النصف الاعلى والانضمام والاستقرار على الأرض في النصف الأسفل فكان القعود مضادا للقيام في أحد معنييه وكذا الركوع والركوع مع القعود يضاد كل واحد منهما للآخر بمعنى واحد وهو صفة النصف الاعلى واسم المعنيين يفوت بالكلية بوجود مضاد أحد معنييه كالبلوغ واليتم فيفوت القيام بوجود القعود أو الركوع بالكلية ولهذا لو قال قائل ما قمت بل قعدت وما أدركت القيام بل أدركت الركوع لم يعد مناقضا في كلامه وأما الحكم فلان ما صار القيام لأجله طاعة يفوت عند الجلوس بالكلية لان القيام اما صار طاعة لانتصاب نصفه الا على بل لانتصاب رجليه لما يلحق رجليه من المشقة وهو بالكلية يفوت عند الجلوس فثبت حقيقية
(١٤٢)